للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آدَمَ... إلخ رقم [٥٩]. {وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ} أي: تحريفه على ما يريدون، ويشتهون. {وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ} أي: لا يعلم تفسير المتشابه، ومعناه الحقيقي إلا الله وحده. وقيل: يجوز أن يكون للقرآن تأويل، استأثر الله بعلمه، ولم يطلع عليه أحدا من خلقه، كالحروف المقطّعة

إلخ. انظره فيما سبق.

{وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} أي: الثابتون في العلم. وهم الذين أتقنوا علمهم؛ بحيث لا يدخل في علمهم شكّ، والرّسوخ: الثبوت في الشّيء، وكلّ ثابت راسخ، وأصله في الأجرام: أن يرسخ الجبل، والشّجر في الأرض. قال الشاعر: [الطويل]

لقد رسخت في الصّدر منّي مودّة... لليلى أبت آياتها أن تغيّرا

هذا؛ وقال ابن أبي حاتم بسنده: حدّثنا عبيد الله بن يزيد-وكان قد أدرك أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنسا، وأمامة، وأبا الدرداء رضي الله عنهم-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن الرّاسخين في العلم، فقال: «من برّت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، ومن عفّ بطنه، وفرجه، فذلك من الرّاسخين في العلم». وقال ابن المنذر في تفسيره عن نافع بن يزيد: الرّاسخون في العلم:

المتواضعون لله، المتذلّلون له في مرضاته، لا يتعاظمون على من فوقهم، ولا يحتقرون من دونهم. هذا؛ وفي قوله تعالى: {وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} استعارة، والمراد بها: المتمكنون في العلم تشبيها برسوخ الشيء الثقيل في الأرض الخوّارة، وهذا أبلغ من قوله: والثابتون في العلم. هذا؛ والراسخ في العلم من وجد من العلم في علمه أربعة أشياء: التّقوى فيما بينه وبين الله تعالى، والتواضع فيما بينه وبين النّاس، والزّهد فيما بينه وبين الدّنيا، والمجاهدة فيما بينه وبين النّفس.

{يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: سمّاهم راسخين في العلم بقولهم:

{آمَنّا بِهِ} فرسوخهم في العلم هو الإيمان به، وقال عمر بن عبد العزيز-رضي الله عنه-: في هذه الآية انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا: {آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا} يعني: المحكم، والمتشابه، والناسخ، والمنسوخ، وما علمنا به، وما لم نعلم، ونحن معتقدون في المتشابه بالإيمان به، ونكل معرفته إلى الله تعالى، وفي المحكم يجب علينا الإيمان به، والعمل بمقتضاه. {وَما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الْأَلْبابِ:} انظر الآية رقم [٢٦٩] من سورة (البقرة).

تنبيه: فإن قيل: القرآن نزل لإرشاد العباد، فهلا كان كلّه محكما؟! والجواب: أنّه نزل بألفاظ العرب، وعلى أسلوبهم، وكلامهم على ضربين: الموجز الذي لا يخفى على سامع. هذا هو الضّرب الأول، والثاني: المجاز، والكنايات، والإرشادات، والتلويحات. وهذا هو المستحسن عندهم، فأنزل الله القرآن على الضّربين. ليتحقّق عجزهم، فكأنه قال: عارضوه بأيّ الضّربين شئتم. ولو نزل كلّه محكما؛ لقالوا: هلاّ نزل بالضّرب المستحسن عندنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>