للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نزل قوله تعالى: {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ..}. إلخ آخر سورة (التوبة) فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوما، ثم نزل قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ..}. إلخ رقم [٢٨١] من سورة (البقرة) فعاش بعدها أحدا وعشرين يوما. وقال مقاتل: عاش سبعة أيام. وقيل: غير ذلك. والمشهور: أن سورة (النصر) نزلت قبل فتح مكة، وكانت بشارة بفتحها، وهذا من أعلام النبوة.

هذا؛ وقال الرازي-رحمه الله تعالى-: اتفق الصحابة على أن هذه السورة دلت على نعي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذلك لوجوه: أحدها: أنهم عرفوا ذلك لما خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عقب نزول السورة، وذكر التخيير، وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم في خطبته: «إن عبدا خيره الله تعالى بين الدنيا، وبين لقائه، فاختار لقاء الله تعالى». فقال أبو بكر-رضي الله عنه-: فديناك بأنفسنا، وأموالنا، وأولادنا، وآبائنا. ثانيها: أنه لما ذكر حصول النصر، والفتح، ودخول الناس في الدين أفواجا، دل ذلك على حصول الكمال، والتمام، وذلك يعقبه الزوال، والنقصان، كما قيل: [المتقارب]

إذا تمّ أمر بدا نقصه... توقّع زوالا إذا قيل تم

وقال الرندي: [البسيط]

لكلّ شيء إذا ما تمّ نقصان... فلا يغرّ بطيب العيش إنسان

ثالثها: أنه تعالى أمره بالتسبيح، والحمد، والاستغفار مطلقا، واشتغاله بذلك يمنعه من اشتغاله بأمر الأمة، فكان هذا كالتنبيه على أن أمر التبليغ قد تم، وكمل، وذلك يقتضي انقضاء الأجل؛ إذ لو بقي صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك لكان كالمعزول من الرسالة، وذلك غير جائز. انتهى. جمل نقلا من الرازي. أقول: التعبير بقوله: كالمعزول من الرسالة غير جيد قطعا؛ لأن العزل يقتضي إبداله بغيره، وهذا مستحيل قطعا، وأبدا.

تنبيه: والتعبير ب‍: {جاءَ نَصْرُ اللهِ} مستعار؛ لأن المقدر متوجه من الأزل لوقته، فكأنه سائر نحوه، فشبه حصول المقدورات، ووقوعها عند حضور أوقاتها بمجيئها إليها، فأطلق اسم المجيء على ذلك الحصول، ثم اشتق منه لفظ جاء، فيكون استعارة تبعية بالحرف.

هذا؛ والفعل: «جاء» يستعمل لازما إن كان بمعنى: أقبل، ووصل، كما في هذه السورة، ويستعمل متعديا إن كان بمعنى: بلغ، كما في قوله تعالى: {إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ} ومثله:

«أتى» يكون لازما، ومتعديا.

الإعراب: {إِذا:} ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب. {جاءَ:} فعل ماض. {نَصْرُ:} فاعله، وهو مضاف، و {اللهِ:} مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله، ومفعوله محذوف، والجملة الفعلية

<<  <  ج: ص:  >  >>