للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: {الْوَسْواسِ:} هو الشيطان، وقوله تعالى: {مِنَ الْجِنَّةِ} بيان: أنه من الجن، و (الناس) معطوف على {الْوَسْواسِ}. والمعنى: قل: أعوذ برب الناس من شر الوسواس؛ الذي هو من الجنة، ومن شر الناس، فعلى هذا أمر بأن يستعيذ بالله من شر الإنس، والجن. انتهى. قرطبي.

بعد هذا أصل {أَعُوذُ:} أعوذ فقل في إعلاله: اجتمع معنا حرف صحيح ساكن، وحرف علة متحرك، والحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، فنقلت حركة الواو إلى العين قبلها بعد سلب سكونها، وقل مثله في كل فعل أجوف، واوي، أو يائي، مثل: يقول، يصون، يبيع، يكيل... إلخ. وانظر شرح (الرب) في الآية رقم [٣٩] من سورة (النبأ).

هذا؛ و {النّاسِ:} اسم جمع لا واحد له من لفظه، مثل: معشر، ونفر... إلخ، واحده:

إنسان من غير لفظه، وهو يطلق على الإنس، والجن، لكن غلب استعماله في الإنس، كما في هذه السورة، وأصله: الأناس، حذفت منه الهمزة تخفيفا على غير قياس، وحذفها مع لام التعريف كاللازم، لا يكاد يقال: الأناس. وقد نطق القرآن الكريم بهذا الأصل، لكن بدون لام التعريف. قال تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ} رقم [٧١] من سورة (الإسراء). وقيل: إن أصله: النّوس، ولم يحذف منه شيء، وإنما قلبت الواو ألفا؛ لتحركها، وانفتاح ما قبلها. وانظر شرح (الإنس) في سورة (الرحمن) رقم [٥٦]، وشرح (الإنسان) في سورة (المعارج) رقم [١٩].

ولا تنس قوله تعالى في سورة (الفرقان) رقم [٤٩]: {وَأَناسِيَّ كَثِيراً}.

أما {الْجِنَّةِ:} بكسر الجيم؛ فهي: الجن، ويطلق على الملائكة أيضا. قال تعالى في سورة (الصافات) رقم [١٥٨]: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} فقد قال المشركون: إن الملائكة بنات الله تعالى، سميت الملائكة جنة؛ لاجتنانهم؛ أي: لاختفائهم عن الأنظار. قال الزمخشري: وعلى هذا فالجن، والملائكة جنس واحد، ولكن من خبث من الجن، ومرد، وكان شرا كله، فهو شيطان، ومن طهر منهم، ونسك، وكان خيرا كله، فهو ملك، فذكرهم في هذا الموضع؛ أي: في آية (الصافات) باسم جنسهم، وإنما ذكرهم بهذا الاسم وضعا منهم، وتقصيرا بهم؛ وإن كانوا معظمين في أنفسهم أن يبلغوا منزلة المناسبة التي أضافوها إليهم. انتهى. كشاف. وهذا مردود قطعا؛ لأن الملائكة مخلوقون من نور، والجن مخلوقون من نار، وشتان ما بين المادتين، وما قاله الزمخشري يقال في مؤمني الجن، وكافرهم، فمن طهر منهم؛ فهو مؤمن، وكان خيرا كله، ومن خبث منهم؛ فهو شيطان، وكان شرا كله، ولكن تبقى التسمية جائزة على الملائكة والجن لعدم رؤيتنا لهم بسبب اجتنانهم؛ أي:

اختفائهم عن الأبصار. وانظر ما ذكرته في آخر سورة (الجن) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

هذا؛ وجنة بكسر الجيم أيضا: الجنون؛ أي: ذهاب العقل. قال تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٨٤]: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ،} وقال في سورة (المؤمنون)

<<  <  ج: ص:  >  >>