للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويحرم الرضا بفعل المعصية، ذكره ابن عقيل إجماعًا. وذكر الشيخ تقي الدين (١): أنه إذا نظر إلى إحداث الرب لذلك للحكمة التي يحبها ويرضاها، رضي لِله بما رضيه لنفسه، فيرضاه ويحبه مفعولًا مخلوقًا لله، ويبغضه ويكرهه فعلًا للمذنب المخالف لأمر الله، وهذا كما نقول فيمن خلقه من الأجسام الخبيثة. قال: فمن فهم هذا الموضع، انكشف له حقيقة هذا الأمر، الذي حارت فيه العقول.

(ويُكره له) أي: المصاب (تغيير حاله) أي: هيئته (من خلع ردائه ونعله، وغلق حانوته، وتعطيل معاشه ونحوه) لما في ذلك من إظهار الجَزَع. قال ابن الجوزي (٢) في قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} (٣): اعلم أنه من علم أن ما قضي لا بد وأن يصيبه، قلَّ حزنه وفرحه. وقال إبراهيم الحربي: اتفق العقلاء من كل أمة أن من لم يتمشَّ مع القدر, لم يتهنَّ بعيش (٤).

(ولا يُكره البكاء) قال الجوهري (٥): البكاء يمد ويقصر، فإذا مددت، أردت الصوت الذي يكون مع البكاء، وإذا قصرت، أردت الدموع وخروجها (على الميت قبل الموت وبعده) لكثرة الأخبار بذلك، فمنها: ما في "الصحيحين" أنه - صلى الله عليه وسلم - فاضتْ عيناهُ, لمَّا رُفع إليهِ ابنُ بنتِه، ونفسه تقعقع كأنها في شنةٍ - أي: لها صوت وحشرجة


(١) انظر مجموع الفتاوى (١٠/ ٤٨٤).
(٢) زاد المسير (٨/ ١٧٣).
(٣) سورة الحديد، الآية ٢٢.
(٤) رواه الخطيب في تاريخه (٦/ ٣٠).
(٥) الصحاح (٦/ ٢٢٨٤).