للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَصير جاءَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد صُلْحِ الحُديبية؛ فجاؤوا في طلبه، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنا لا يصْلُحُ في ديننا الغَدْرُ، وقد علمْتَ ما عاهدناهم عليه، ولعلَّ الله أن يَجْعَلَ لكَ فرَجًا ومَخْرجًا" فرجع مع الرجُلين فَقَتَل أحَدهُما، ورَجَعَ فلمْ يَلُمْهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - (١).

(وله) أي: للإمام (أن يأمره سرًّا بقتالهم وبالهَرَب منهم) لأنه رجوع إلى باطل، فكان له الأمرُ بعدمه، كالمرأة إذا سمعت طلاقَها وفي "الترغيب": يُعرِّض له أن لا يرجع.

(وله) أي: لمن جاءنا مسلمًا منهم (ولمن أسلم معه أن يتحيَّزوا ناحية، ويقتلوا مَن قدروا عليه من الكفار، ويأخذوا أموالهم ولا يدخلون في الصُّلح.

فإن ضمَّهم الإمامُ إليه بإذن الكفار، دخلوا في الصُّلْح) وحَرُمَ عليهم قتال الكفار، وأخذ أموالهم؛ لأن أبا بَصير لما رجع إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال له: يا رسول الله، قد أوفى الله ذِمَّتك، قد رددتني إليهم وأنجاني الله منهم، فلم يُنكِرْ عليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ولم يَلُمْهُ، بل قال: "ويلُ أُمِّهِ؛ مِسْعَرَ حَرْبٍ، لو كان معهُ رجالٌ"، فلما سَمِعَ بذلك أبو بَصير لَحِقَ بساحلِ البحرِ، وانحاز إليه أبو جَندل بن سُهَيلٍ ومن معه من المستضعفين بمكةَ، فجعلُوا لا تمرُّ عليهم عيرٌ لقرَيش إلا عَرَضوا لها، وأخَذُوها وقَتلُوا من معها، فأرسَلَتْ قرَيشٌ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - تُناشِدُهُ الله والرَّحِمَ أن يضمَّهُم إليهِ،


(١) أورده ابن هشام في السيرة (٢/ ٣٢٣)، وأخرجه بنحوه البيهقي (٩/ ٢٢٧) من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن مروان بن الحكم والمِسور بن مخرمة في قصة الحديبية.
وأصله عند البخاري في الشروط، باب ١٥، حديث ٢٧٣١، ٢٧٣٢ عن مروان والمسور بن مخرمة رضي الله عنهما ، في حديث صلح الحديبية الطويل.