للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استقبال الجهة وقد فعله. وهذا الجواب عن الحديث المذكور اهـ.

وأجاب ابن قندس: بأنَّ استقبال الجهة إنما يجب عند تعذر إصابة العين، وهو - صلى الله عليه وسلم - متمكن من ذلك بالوحي، بل ذكر القاضي عياض في الباب الثَّاني من "الشفاء" (١): أنه رفعت له الكعبة حين بنى مسجده - صلى الله عليه وسلم -.

قلت: لكن النظر الذي أورده الشارح باق، إلَّا أن يقال: مراد الأصحاب من إلحاقهم إياه بمن بمكة: أنَّه يضر انحرافه يمنة ويسرة عن محرابه - صلى الله عليه وسلم - بخلاف غيره ممن بعد، فلا يضر انحرافه.

(والبعيد منه) أي من مسجد النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يعني ومن مكّة: يجتهد (إلى الجهة) لتعذر إصابة العين بالاجتهاد، فتقوم الجِهة مقامها للضرورة (فإن أمكنه ذلك) أي معرفة ما هو مأمور بالتوجه إليه من عين أو جهة (بخبر ثقة (٢)، مكلف، عدل ظاهرًا وباطنًا) حرًا كان أو عبدًا، رجلًا أو امرأة (عن يقين) مثل أن يخبره أن الشمس تطَّلع أو تغرب من جهةٍ عَيَّنَها، فيعلم أن الجهة بينها وبين مقابلتها مثلًا، أو يخبره أن النجم الذي تجاهه الجدي، فيعلم محل القبلة منه ونحوه، لزمه العمل به، ولا يجتهد، كالحاكم يقبل النص من الثقة ولا يجتهد.

وعُلم أنه لا يقبل خبر كافر، ولا غير مكلف، ولا فاسق، لكن قال ابن تميم: يصح التوجه إلى قبلته في بيته، ذكره في "الإشارات"، وجزم به في "المبدع". قال في "الرِّعاية الكبرى": قلت: وإن كان هو عملها فهو كإخباره اهـ، فلو شك في حاله، قَبِل قوله في الأصح، وإن شك في إسلامه، فلا. وأنه إذا أخبره عن اجتهاد لا يجوز تقليده، قال في "الفروع" و"المبدع": في


(١) (١/ ٤٣).
(٢) في "ح" و"ذ": "مسلم ثقة".