للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله تعالى أوجب في حَلْقِ الرأس فِدية واحدة، ولم يفرِّق بين ما وقع في دفعة أو دفعات (فلو قلَّم ثلاثةَ أظفار، أو قَطَع ثلاث شعرات في أوقات قبل التكفير، لزمه دم) أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، ولم تلزمه ثانية؛ لما تقدم.

(وإن كفَّر عن) الفِعل (الأول، لزمته للثاني (١) كفَّارة) ثانية؛ لأن السبب الموجب للكفَّارة الثانية غير عين السبب الموجب للكفَّارة الأُولى، أشبه ما لو حلف ثم حنث وكفَّر، ثم حلف وحنث.

(وتتعدد كفَّارة الصيد) أي: جزاؤه (بتعدده) أي: الصيد، ولو قُتلت الصيود معًا؛ لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (٢) ومثلُ جزاء الاثنين فأكثر لا يكون مثلَ أحدهما.

(وإن فَعَل محظورًا من أجناس، فعليه لكُلِّ) جنس (واحدٍ فِداءٌ) سواء فَعَل ذلك مجتمعًا أو متفرقًا، اتحدت فديتُها أو اختلفت؛ لأنها محظورات مختلفة الأجناس، فلم يتداخل موجَبها، كالحدود المختلفة.

(وإن حَلَق، أو قلَّم) أظفاره (أو وطِئ، أو قتل صيدًا عامدًا، أو ناسيًا، أو مخطئًا أو مُكرهًا -ولو نائمًا- قَلَع شعرَه، أو صوَّبْ رأسه إلى تنُّورٍ فأحرق اللَّهبُ شعرَه، فعليه الكفَّارة) لأن هذه أتلاف، فاستوى عمدُها وسهوها وجهلها، كإتلاف مال الآدمي، ولأنه تعالى أوجب الفِدية على من حَلَقَ رأسه لأذًى به، وهو معذور، فكان ذلك تنبيهًا على وجوبها على غير المعذور، ودليلًا على وجوبها على المَعذور بنوع آخر، كالمحتجم يحلق موضع محاجمه. ومثل ذلك المباشرة دون الفَرْج، كما تقدم قريبًا.


(١) في "ذ": "لزمه عن الثاني".
(٢) سورة المائدة، الآية: ٩٥.