وبالجملة فقد منع الخِرقي، وابن أبي موسى الصلح على الإقرار، وأباه الأكثرون، فعلى الأول إن وفاه من جنس حقه، فهو وفاء، ومن غير جنسه معاوضة. وإن أبرأه من بعضه فهو إبراء، وإن وهبه بعض العين فهو هبة، ولا يُسمَّى صُلحًا، فالخلاف إذن في التسمية. قاله في "المغني" و"الشرح". وأما المعنى فمتفق عليه.
(ويصح) ما ذكر من الإبراء والهِبة (إن لم يكن بشرط، مثل أن يقول): أبرأتُكَ، أو: وهبتُكَ (على أن تعطيني الباقي) فإن فعل ذلك، لم يصح؛ لما يأتي في الهبة من أنه لا يصح تعليقها، ولا تعليق الإبراء بشرط.
(أو يمنعه) أي: لا يصح الإبراء والهبة إذا منعه المقر (حقه بدونه) أي: بدون الإبراء، أو الهبة، فلا يصح؛ لأنه من أكل أموال الناس بالباطل.
(ولا يصح ذلك) أي: ما ذكر من الإبراء والهبة (ممن لا يملك التبرُّع كالمُكاتَب، و) العبد، أو المميِّز (المأذون له) في التجارة (و) لا من (ولي اليتيم، وناظر الوقف، ونحوهم) كالوكيل في استيفاء الحقوق؛ لأنه تبرُّع، وهؤلاء لا يملكونه (إلا في حال الإنكار، وعدم البينة) فيصح؛
= باب ٤، ٩، حديث ٢٤١٨، ٢٤٢٤، وفي الصلح، باب ١٠، ١٤، حديث ٢٧٠٦، ٢٧١٠، ومسلم في المساقاة، حديث ١٥٥٨، عن كعب بن مالك - رضي الله عنه -: أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينًا كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيته، فخرج إليهما، حتى كشف سجْفَ حجرته، فنادى: "يا كعب. قال: لبيك يا رسول الله، قال: ضع من دينك هذا. وأومأ إليه: أي الشطر، قال: لقد فعلت يا رسول الله، قال: قم فاقضه".