للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلَّهم الصومُ، وحُكمُ مَن لم يرَه حُكمُ مَن رآه) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "صُومُوا لرؤيتِهِ" (١). وهو خطاب للأمة كافَّة؛ ولأن الشهر في الحقيقة ما بين الهلالين، وقد ثبت أن هذا اليوم منه في جميع الأحكام، فكذا الصَّوم. ولو فرض الخطاب في الخبر للذين رأوه، فالغرضُ حاصل؛ لأن من صُوَر المسألة وفوائدها: ما إذا رآه جماعة ببلد، ثم سافروا إلى بلد بعيد، فلم يُرَ الهلالُ به في آخر الشهر، مع غَيم أو صحو، فلا يحلُّ لهم الفِطر، ولا لأهل ذلك البلد عند المخالف.

ومِن صُوَرها: ما إذا رآه جماعة ببلد، ثم سارت بهم ريح في سفينة فوصلوا إلى بلد بعيد في آخر الليل، لم يلزمهم الصوم في أول الشهر، ولم يحل لهم الفِطر في آخره عندهم.

وهذا كله مصادمٌ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "صُومُوا لرؤيتِهِ، وأفطِرُوا لرؤيتِه" (٢).

وأما خبر كُريب قال: "قدمتُ الشامَ، واستهلَّ عليَّ هلالُ رمضانَ وأنا بالشَّامِ، فرأيناهُ ليلةَ الجمعةِ، ثم قدمتُ المدينةَ في آخر الشهر، فسألني ابن عبَّاس، فأخبرتُه، فقال: لكِنَّا رأيناه ليلةَ السَّبت، فلا نزالُ نصوم، حتى نكملَ ثلاثين، أو نراه، فقلتُ: ألا تكتفي برؤيةِ معاويةَ وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرَنَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -". رواه مسلم (٣). فدلَّ على أنهم لا يفطرون بقول كُريب وحده، ونحن نقول به، وإنما الخِلاف في وجوب قضاء اليوم الأول، وليس هو في الحديث.


(١) تقدم تخريجه (٥/ ١٩٥)، تعليق رقم (٣).
(٢) تقدم تخريجه (٥/ ١٩٥)، تعليق رقم (٣).
(٣) في الصيام، حديث ١٠٨٧.