للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيحد لمن طلب، ثم لا حدَّ بعده) لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ. . .} الآية (١). فلم يُفَرِّق بين من قذف واحدًا أو جماعة؛ ولأن الحدَّ إنما وجب بإدخال المعرَّة على المقذوف بقَذْفِه، وبحدٍّ واحدٍ يظهر كَذِبُ هذا القاذف، وتزول المعرَّةُ، فوجب أن يُكتفى به، بخلاف ما إذا قَذَفَ كلَّ واحدٍ قذفًا مفردًا، فإنّ كَذِبه في قذف لا يلزم منه كذبه في الآخر، ولا تزول المعرَّة.

(وإن أسقطه) أي: الحد (أحدُهم، فلغيرهم (٢) المطالبة واستيفاؤه) لأن الحق ثابت لهم على سبيل البدل، فأيُّهم طلبه استوفاه، وسقط، ولم يكن لغيره الطلب، كحق المرأة على أوليائها في تزويجها (وسقط حق العافي) بعفوه؛ لأنه حق له، كما لو انفرد.

(وإن كان) قَذَف جماعة يُتصوَّر الزنى منهم عادة (بكلماتٍ؛ حُدَّ لكلِّ واحد) منهم (حدًّا) كاملًا؛ لما سَلَف، وكالديون، والقِصاص.

(ومن حُدَّ لقذفٍ، ثم أعاده) أي: القذف، لم يُعَدْ عليه الحَدّ؛ لأنه حُدَّ به مرة، فلم يُحدَّ به ثانية، ويُعزَّر (أو) أعاد زوجٌ القذف (بعد لِعانه، لم يُعَدْ عليه الحَدُّ) لأنه قذفٌ لاعَنَ عليه، فلا يُحدُّ به، كما لو أعاده قبل اللعان (ويُعزَّر) ردعًا له عن أعراض المعصومين (ولا لِعان) أي: لو كان المعيد للقذف زوجًا بعد أن لاعن عليه، فليس له إعادة اللعان لدرء التعزير؛ لأن القذف واحد، وقد لاعن عليه أولًا، فلا يُعيده.

(وإن قذفه بزنىً آخرَ) أي: غير الذي قَذَفه به أولًا وحُدَّ له (حُدَّ) للقذف الثاني (مع طول الزمن) لأن حُرمة المقذوف لا تسقط بالنسبة إلى


(١) سورة النور، الآية: ٤.
(٢) في "ذ" ومتن الإقناع (٤/ ٢٣٧): "فلغيره".