للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أرضٍ وحبٍّ لمن يزرعه ويقوم عليه، أو) دفع حبٍّ (مزروع) ينمى بالعمل (لمن يعمل عليه، بجزء مُشاع معلوم من المُتَحصِّل).

والأصلُ في جوازها السُّنَّةُ، فمنها ما روى ابنُ عمر قال: "عاملَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أهلَ خيبرَ بِشَطْرِ ما يخرجُ مِنها مِنْ ثَمَرٍ أو زرعٍ" متفق عليه (١). وقال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: "عاملَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أهلَ خَيبر بالشطر، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم أهلوهم إلى اليوم، يعطُون الثُّلُثَ أو الرُّبْعَ" (٢) وهذا عَمِل به الخلفاء الراشدون ولم يُنكَر، فكان كالإجماع (٣)، ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك؛ لأن كثيرًا من الناس لا شجر لهم، ويحتاجون إلى الثمر، وأهل الشجر يحتاجون إلى العمل، ففي تجويزها دَفْعٌ للحاجتين، وتحصيلٌ لمنفعة كلٍّ منهما، فجاز كالمضاربة.

(ويُعتبر كون عاقِدَيْهما) أي: المساقاة والمزارعة (جَائِزَي التصرُّف) لأن كلًّا منهما عقد معاوضة، فاعتُبر لها ذلك كالبيع.

(فتجوز المساقاةُ في كلِّ شجر له ثمرٌ مأكولٌ) وإن لم يكن نخلًا ولا كَرْمًا؛ لما تقدم. لا يقال: ابن عمر قد رجع عما روى؛ لقوله: "كُنَّا نُخابِرُ أربعين سنةً حتى حَدَّثنا رَافعُ بن خَدِيْج أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عن


(١) البخاري في الإجارة، باب ٢٢، حديث ٢٢٨٥، وفي المزارعة، باب ٨، ٩، ١١، حديث ٢٣٢٨، ٢٣٢٩، ٢٣٣١، وفي الشركة، باب ١١، حديث ٢٤٩٩، وفي الشروط، باب ٥، حديث ٢٧٢٠، وفي المغازي، باب ٤٠، حديث ٤٢٤٨، ومسلم في المساقاة، حديث ١٥٥١.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة (٦/ ٣٣٨), وذكره ابن حزم في المحلى (٨/ ٢١٤)، وأورده ابن القيم في تهذيب السنن (٥/ ٥٨)، وقال: وهذا أمر صحيح مشهور.
(٣) مراتب الإجماع لابن حزم ص/ ١٠٤، والإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (٣/ ١٦٢٧ - ١٦٣٢).