للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عدمه).

قال الشيخ تقي الدين (١): العاميُّ هل عليه أن يلتزم مذهبًا معيَّنًا يأخذ بعزائمه ورخصه؟ فيه وجهان لأصحاب أحمد، وهما وجهان لأصحاب الشافعي، والجمهور من هؤلاء وهؤلاء لا يوجبون ذلك، والذين يوجبون يقولون: إذا التزمه لم يكن له أن يخرج عنه مادام ملتزمًا له، أو ما لم يتبين له أن غيره أولى بالالتزام منه، ولا ريب أن التزام المذاهب والخروجَ عنها، إن كان لغير أمر ديني، مثل أن يلتزم مذهبًا لحصول غرض دنيوي من مال أو جاه ونحو ذلك، فهذا مما لا يُحمد عليه، بل يُذَمُّ عليه في نفس الأمر، ولو كان ما انتقل إليه خيرًا مما انتقل عنه، وهو بمنزلة من يُسلِم، لا يُسلِم إلا لغرض دنيوي، أو يهاجر من مكة إلى المدينة لامرأة يتزوجها، أو دنيا يصيبها.

قال: وأما إن كان انتقاله من مذهب إلى مذهب لأمرٍ ديني، فهو مُثاب على ذلك، بل واجب على كلِّ أحدٍ إذا تبيَّنَ له حُكمُ الله ورسولِه في أمرٍ ألا يعدِلَ عنه، ولا يتبع أحدًا في مخالفة الله تعالى ورسوله، فإن الله تعالى فرض طاعة رسوله على كل أحد في كل حال. انتهى.

وفي "الرعاية": من التزم مذهبًا أُنكر عليه مخالفته بلا دليل، ولا تقليد سائغ، ولا عذر. ومراده بقوله: "بلا دليل" إذا كان من أهل الاجتهاد. وقوله: ولا تقليد سائغ، أي: لعالم أفتاه، إذا لم يكن أهلًا للاجتهاد. وقوله: ولا عُذر، أي: يُبيح له ما فعله، فَيُنكر عليه حينئذ؛ لأنه يكون متبعًا لهواه .

وقال في موضع آخر: يلزم كلَّ مقلِّدٍ أن يلتزم بمذهب معيَّن في


(١) مجموع الفتاوى (٢٠/ ٢٢٢)، والفتاوى الكبرى (٢/ ٢٣٨).