أن يكتب له كتابًا بحكمه إلى قاضي بلد الغائب، فيكتب إليه، أو تقوم البينة على حاضر، فيهرب قبل الحكم عليه، فيسأل ربُّ الحقِّ الحاكمَ الحُكْمَ عليه، وأن يكتب له كتابًا بحُكْمه (لِيُنْفِذه) المكتوب إليه (ولو كانا) أي: القاضيان، الكاتب والمكتوب إليه (ببلدٍ واحدٍ، أو) كان (كلُّ) واحدٍ (منهما ببلد، ولو) كان أحد البلدين (بعيدًا) عن الآخر مسافة القصر فأكثر؛ لأن حكم الحاكم يجب إمضاؤه على كل حال (إلا فيما ثبت عنده) أي: القاضي الكاتب (ليحكم به) المكتوب إليه، فلا يُقبل (إلا في مسافة قَصْرٍ فأكثر) لأنه نقل شهادة، فيعتبر فيه ما يُعتبر في الشهادة على الشهادة. وكتابه بالحكم ليس هو نقلًا، وإنما هو خبر، والثبوت ليس بحكم كما تقدم. وللحاكم الذي اتَّصل به ذلك الثبوت الحكم به إذا كان يرى صحته.
قال في "الفروع": فيتوجَّه: لو أثبت حاكمٌ مالكيٌّ وقفًا لا يراه - كوقف الإنسان على نفسه - بالشهادة على الخط، فإنْ حَكَمَ - للخلافِ في العمل بالخطِّ - كما هو المعتاد، فلحاكمٍ حنبليٍّ يرى صِحَّةَ الحكمِ أن ينفذه في مسافة قريبة، وإنْ لم يحكم، بل قال: ثبت هذا، فكذلك؛ لأن الثبوت عند المالكي حكمٌ، ثم إن رأى الحنبليُّ الثبوتَ حكمًا نفذه، وإلا فالخلاف في قرب المسافة، ولزوم الحنبليِّ تنفيذه ينبني على تنفيذ الحكم المختلف فيه، وحكمُ المالكيِّ مع علمه باختلاف العلماء في الخطِّ لا يمنع كونه مختلَفًا فيه، ولهذا لا تنفذه الحنفية حتى ينفذه حاكم، وللحاكمِ الحنبليِّ الحكمُ بصحة الوقف مع بُعْد المسافة، ومع قُربها الخلاف.
(ولو سَمِع) الكاتب (البينة، ولم يُعدِّلها، وجعل تعديلها إلى