للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنَّه جاءَ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في يَوْمِ الحُدَيْبِيَةِ، أنَّه ما تَنَخَّمَ نُخَامَةً إلّا وَقَعَتْ في كَفِّ رَجُلٍ منهم، فَدَلَكَ بها وَجْهَهُ. رَوَاه البُخارِىُّ (٢٠). ولولا طهارتُها لم يفْعلُوا ذلك، وفى حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ، أنَّ رسولَ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَأَىَ نُخَامَةً في قِبْلَةِ المَسْجدِ، فأقْبَلَ على النَّاسِ، فقال: "مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ يَسْتَقْبِل رَبَّه، فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ! أَيُحِبُّ أنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ في وَجْهِه؟ فإذا تَنَخَّعَ أَحَدُكُم فَلْيَتَنخَّع عن يَسَارِهِ أو تَحْتَ قَدَمِهِ، فَإنْ لمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هكَذَا". وَوَصَفَ القاسِمُ: فَتَفَلَ في ثَوْبِه، ثم مَسَحَ بَعْضَه ببَعْضٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٢١). ولو كانت نَجِسَةً لَما أمَرَ بِمَسْحِها في ثَوْبِه وهو في الصَّلاةِ، ولا تَحْتَ قَدَمِه. ولا فَرْقَ بين ما يَخْرُجُ من الرَّأْسِ والبَلْغَمِ الخَارِجِ من الصَّدْرِ. ذَكَرَه القاضي. وهو مَذْهَبُ أبي حنيفةَ. وقال أبو الخطَّابِ: البَلْغَمُ نَجِسٌ؛ لأنَّه طَعَامٌ اسْتَحَالَ في (٢٢) المَعِدَةِ، أشْبَهَ القَىْءَ. ولَنا، أنَّه دَاخِلٌ في عُمُومِ الخَبَريْنِ، ولأنَّه أحَدُ نَوْعَىِ النُّخَامَةِ، أَشْبَهَ الآخَرَ، ولأنَّه لو كان نَجِسًا نَجِسَ به الفَمُ، ونَقَض الوُضُوءَ، ولم يَبْلُغْنَا عن الصَّحابةِ رَضِىَ اللهُ عنهم، مع عُمُومِ البَلْوَى به، شيءٌ من ذلك. وقَوْلُهم: إنَّه طَعَامٌ مُسْتَحِيلٌ في المَعِدَةِ. غير مُسَلَّمٍ، إنَّما هو مُنْعَقِدٌ من الأبْخِرَةِ، فهو كالنَّازِلِ من الرَّأْسِ، وكالمُخَاطِ، ولأنَّه يَشُقُّ التَّحَرُّزُ منه، أشْبَهَ المُخَاطَ. النَّوْعُ الثَّانى: نَجِسٌ، وهو الدَّمُ وما تَوَلَّدَ منه من القيْحِ والصَّدِيدِ، وما يَخْرُجُ من المَعِدَةِ من القَىْءِ والقَلْسِ، فهذا نَجِسٌ، وقد تَقَدَّمَ بَيانُ حُكْمِهِ. القِسْمُ الثَّانِى: ما أُكِلَ لَحْمُه، فالخَارِجُ منه ثلاثةُ أنْوَاعٍ: أحَدُها، نَجِسٌ، وهو الدَّمُ، وما تَوَلَّدَ منه. الثَّانِى، طَاهِرٌ، وهو الرِّيقُ والدَّمْعُ والعَرَقُ واللَّبَنُ. فهذا لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. الثَّالِثُ، القَىْءُ، ونَحْوُه، فَحُكْمُه حُكْمُ بَوْلِه؛ لأنَّه طَعامٌ مُسْتَحِيلٌ، فأشْبَهَ


(٢٠) في: باب البزاق والمخاط ونحوه، من كتاب الوضوء، وفى: باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، من كتاب الشروط. صحيح البخاري ١/ ٦٩، ٧٠، ٣/ ٢٥٤. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند ٤/ ٣٢٩، ٣٣٠.
(٢١) تقدم في صفحة ٤٠٠.
(٢٢) في الأصل: "من".

<<  <  ج: ص:  >  >>