للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المِصْرِ، من غيرِ نَكِيرٍ.

فصل: وإذا كان أهْلُ المِصْرِ دُونَ الأرْبَعِينَ، فَجاءَهم أهْلُ القَرْيَةِ، فأقامُوا الجُمُعَةَ في المِصْرِ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّ أهْلَ القَرْيَةِ غيرُ مُسْتَوْطِنِينَ في المِصْرِ، وأهْلُ المِصْرِ لا تَنْعَقِدُ بهم الجُمُعَةُ لِقِلَّتِهِمْ. وإن كان أهْلُ القَرْيَةِ ممَّن تَجِبُ عليهم الجُمُعَةُ بأَنْفُسِهم لَزِمَ أهْلَ المِصْرِ السَّعْىُ إليهم؛ لأنَّهم مِمَّنْ بينَه وبينَ مَوْضِعِ الجُمُعَةِ أقَلُّ مِن فَرْسَخٍ، فَلَزِمَهُم السَّعْىُ إليها، كما يَلْزَمُ أهْلَ القَرْيَةِ السَّعْىُ إلى المِصْرِ إذا أُقِيمَتْ به وكان أهْلُ القَرْيَةِ دُونَ الأرْبَعِينَ. وإنْ كان في كُلِّ واحِدٍ منهما دُونَ الأرْبَعِينَ، لم يَجُزْ إقامَةُ الجُمُعَةِ في وَاحِدٍ منهما.

فصل: ومَن تَجِبُ عليه الجُمُعَةُ لا يجوزُ له السَّفَرُ بعد دُخُولِ وَقْتِها. وبه قال الشَّافِعِىُّ، وإسحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال أبو حنيفةَ: يجوزُ. وسُئِلَ الأوْزَاعىُّ عن مُسافِرٍ سَمِعَ (١٠) أذَانَ الجُمُعَةِ، وقد أسْرَجَ دَابَّتَهُ، فقال: لِيَمْضِ في سَفَرِه؛ لأنَّ عمرَ، رَضِىَ اللَّه عنه، قال: الجُمُعَةُ لا تَحْبِسُ عن سَفَرٍ (١١). ولَنا، ما رَوَى ابنُ عمرَ، أنَّ رسولَ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ سَافَرَ مِنْ دَارِ إقَامَةٍ يَوْمَ الجُمُعَةِ دَعَتْ عَلَيْهِ المَلَائِكَةُ، لَا يُصْحَبُ في سَفَرِه، ولَا يُعَانُ عَلَى حَاجَتِهِ". رَوَاه الدَّارَقُطْنِىُّ في الأفْرَادِ (١٢). وهذا وَعِيدٌ لا يَلْحَقُ بالمُبَاحِ. ولأنَّ الجُمُعَةَ قد وَجَبَتْ عليه، فلم يَجُزْ له الاشْتِغالُ بما يَمْنَعُ منها، كاللَّهْوِ، والتِّجَارَةِ، وما رُوِىَ عن عمرَ، فقد رُوِىَ عن ابْنِه، وعائشةَ، أخْبَارٌ تَدُلُّ على كَراهَةِ (١٣) السَّفَرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فتُعارِضُ قولَه،


(١٠) في أ، م: "يسمع".
(١١) أخرجه البيهقي، في: باب من قال لا تحبس الجمعة عن سفر، من كتاب الجمعة. السنن الكبرى ٣/ ١٨٧. وعبد الرزاق، في: باب السفر يوم الجمعة، من كتاب الجمعة. مصنف عبد الرزاق ٣/ ٢٥٠. وابن أبي شيبة، في: باب من رخص في السفر يوم الجمعة، من كتاب الصلوات. مصنف ابن أبي شيبة ٢/ ١٠٥.
(١٢) ذكره ابن حجر في تلخيص الحبير ٢/ ٦٦. وعزاه للدارقطنى في الأفراد، ولم يعزه لغيره.
(١٣) في أ، م: "كراهية".

<<  <  ج: ص:  >  >>