للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فما حَمَلَتْ مِن ناقَةٍ فوقَ رَحْلِها ... أبَرَّ وأوْفَى ذِمَّةً مِن مُحَمَّدِ

ولو قالَه (٩) فى حال الذَّمِّ كان هجاءً قبيحًا، كقول النَّجَاشِىِّ (١٠):

قَبِيلَتُه لا يَغْدِرُونَ بِذِمَّةٍ ... ولا يَظلمونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلِ

وقال آخرُ (١١):

كأنَّ ربِّىَ لم يَخلُقْ لخَشْيَتِه ... سِواهُمُ مِن جَميعِ النَّاس إنسانَا

وهذا فى هذا الموضعِ هجاءٌ قَبِيحٌ وذمٌّ، حتى حُكِىَ عن حسّانَ أنَّه قال: ما أراه إلا قد سَلَحَ عليهم (١٢). ولولا القَرِينةُ ودَلالةُ الحالِ، كان من أحْسَنِ المدحِ وأبلغِه. وفى الأفْعالِ لو أن رجلًا قصدَ رجلًا بسيف، والحالُ يدلُّ على المَزْحِ واللَّعِبِ، لم يَجُزْ قتلُه، ولو دلَّتِ الحالُ على الجِدِّ، جازَ دفعُه بالقَتْلِ. والغضبُ ههُنا يَدلُّ على قَصْدِ الطَّلاقِ، فيقومُ مَقامَه.

فصل: وإن أتى بالكنايةِ فى حالِ سُؤالِ الطَّلاقِ، فالحُكمُ فيه كالحُكْمِ فيما إذا أتى بها فى حال الغضَبِ، على ما فيه من الخلافِ والتَّفْصيلِ. والوَجْهُ لذلك ما تَقدَّمَ مِنَ التَّوْجيهِ، إلَّا أَنَّ المنصوصَ عن أحمدَ ههُنا، أنَّه لا يُصَدَّقُ فى عَدَمِ النِّيَّةِ، قال، فى روايةِ أبى الحارثِ: إذا قال: لم أنوِه. صُدِّقَ (١٣) فى ذلك، إذا لم تَكُنْ سألَتْه الطَّلاقَ، فإن كان بينهما غضَبٌ قبلَ ذلك، فيُفرَّقُ بين كونِه جَوابًا للسُّؤالِ، وكَوْنِه فى حال الغضَبِ؛ وذلك لأنَّ الجوابَ يَنْصرِفُ إلى السُّؤالِ، فلو قال: لى عندَك دينارٌ؟ قال: نعم، أو: صدَقْتَ. كان إقرارًا به، ولم يُقبَلْ منه (١٤) تفسيرُه بغيرِ الإِقْرارِ. ولو قال: زَوَّجتُك ابْنتِى


(٩) فى أ، ب، م: "قال".
(١٠) قيس بن عمرو بن مالك، والبيت، فى: الشعر والشعراء ١/ ٣٣١، والعقد ٣/ ١٧، ٥/ ٣١٨.
(١١) هو قُرَيط بن أُنَيف، وهو رجل من بلعنبر بن تميم. الحمامة ١/ ٥٧. والبيت فيها ١/ ٥٨.
(١٢) أى أخرج نَجْوَ بطنه.
(١٣) فى ب، م: "وصدق".
(١٤) سقط من: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>