للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأصْلُ اسْتِمْرارُه، فأشْبَهَ المُتَيَمِّمَ إذا صَلَّى في أوَّل الوَقتِ، والمَرِيضَ إذا صَلَّى جَالِسًا. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه إنْ صَلَّاهَا، ثم سَعَى إلى الجُمُعَةِ، لم تَبْطُلْ ظُهْرُه، وكانت الجُمُعَةُ نَفْلًا في حَقِّه، سَوَاءٌ زالَ عُذْرُه أو لم يَزُلْ. وقال أبو حنيفةَ: تَبْطُلُ ظُهْرُه بالسَّعْىِ إليها، كالتى قَبْلَها. ولَنا، ما رَوَى أبو العَالِيَةِ، قال: سألتُ عبدَ اللهِ بن الصَّامِتِ، فقلتُ: نُصَلِّى يَوْمَ الجُمُعَةِ خَلْفَ أُمَرَاءَ فَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ؟ فقال: سألتُ أبَا ذَرٍّ عن ذلك، فقال: سألتُ رسولَ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، فقال: "صَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِها، واجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً". وفى لَفْظٍ: "فإنْ (٦) أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ، فَإنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ" (٧). ولأنَّها صلاةٌ صَحِيحَةٌ أَسْقَطَتْ فَرْضَهُ، وأبْرَأَتْ ذِمَّتَهُ، فأشْبَهَتْ ما لو صَلَّى الظُّهْرَ مُنْفَرِدًا، ثم سَعَى إلى الجَماعَةِ، والأفْضَلُ أنْ لا يُصَلُّوا إلَّا بعد صلاةِ الإِمامِ؛ لِيَخْرُجُوا من الخِلافِ، ولأنَّه يَحْتَمِلُ زَوَالَ أعْذارِهِم، فيُدْرِكُونَ الجُمُعَةَ.

فصل: ولا يُكْرَهُ لمن فَاتَتْهُ الجُمُعَةُ، أو لم يَكُنْ من (٨) أهْلِ فَرْضِها، أن يُصَلِّىَ الظُّهْرَ في جَماعَةٍ، إذا أمِنَ أن يُنْسَبَ إلى مُخالَفَةِ الإِمامِ، والرَّغْبَةِ عن الصلاةِ معه، أو أنَّه يَرَى الإِعادَةَ إذا صَلَّى معه. فَعَلَ ذلك ابنُ مَسْعُودٍ، وأبُو ذَرٍّ، والحسنُ بن عُبَيْدِ اللهِ (٩)، وإيَاسُ بنُ مُعَاوِيَةَ (١٠). وهو قولُ الأَعْمَشِ، والشَّافِعِىِّ، وإسحاقَ. وكَرِهَهُ الحسنُ، وأبو قِلَابَةَ، ومالِكٌ، وأبو حنيفةَ؛ لأنَّ زَمَنَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-


(٦) في م: "فإذا".
(٧) تقدم تخريجه في صفحة ٢١.
(٨) سقط من: الأصل، م.
(٩) أبو عروة الحسن بن عبيد اللَّه بن عروة النخعى الكوفى، ثقة صالح، توفى سنة تسع وثلاثين ومائة. تهذيب التهذيب ٢/ ٢٩٢.
(١٠) أبو واثلة إياس بن معاوية بن قزة المزني البصري، قاضيها، تابعى ثقة، فقيه، عفيف، توفى سنة اثنتين وعشرين ومائة. تهذيب التهذيب ١/ ٣٩٠، ٣٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>