للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأَمْرِ المُوَكِّلِ، ولا يَثْبُتُ حُكْمُ الرُّجُوعِ في حَقِّ المَأْمُورِ قبلَ عِلْمِه، كالفَسْخِ. فعلى هذه الرِّوَايةِ، متى تَصَرَّفَ قبل العِلْمِ، نَفَذَ تَصَرُّفُه. وعن أبي حنيفةَ أنَّه إن عَزَلَهُ المُوَكِّلُ، فلا يَنْعَزِلُ قبلَ عِلْمِه؛ لما ذَكَرْنا. وإن عَزَلَ الوَكِيلُ نَفْسَه، لم يَنْعَزِلْ إلَّا بِحَضْرَةِ المُوَكِّلِ؛ لأنَّه مُتَصَرِّفٌ بأَمْرِ المُوَكِّلِ، فلا يَصِحُّ رَدُّ (١) أَمْرِه بغيرِ حَضْرَتِه، كالمُودعِ في رَدِّ الوَدِيعَةِ. ولَنا، ما تَقَدَّمَ. فأمَّا الفَسْخُ ففيه وَجْهانِ، كالرِّوَايَتَيْنِ. ثم هما مُفْتَرِقانِ؛ فإنَّ أَمْرَ الشَّارِعِ يَتَضَمَّنُ المَعْصِيَةَ بِتَرْكِه، ولا يكون عاصِيًا من غيرِ عِلْمِه، وهذا يَتَضَمَّنُ العَزْلُ عنه إِبْطَالَ التَّصَرُّفِ، فلا يَمْنَعُ منه عَدَمُ العِلْمِ.

فصل: ومتى خَرَجَ أحَدُهما عن كَوْنِه من أهْلِ التَّصَرُّفِ، مثل أن يُجَنَّ، أو يُحْجَرَ عليه لِسَفَهٍ، فحُكْمُه حُكْمُ المَوْتِ؛ لأنَّه لا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ، فلا يُمَلِّكُه غيرَه من جِهَتِه. قال أحمدُ في الشَّرِكَةِ: إذا وَسْوَسَ أحَدُهما، فهو مثل العَزْلِ. وإن حُجِرَ على الوَكِيلِ لِفَلَسٍ (٢)، فالوَكَالَةُ بحَالِها؛ لأنَّه لم يَخْرُجْ عن كَوْنِه أهْلًا لِلتَّصَرُّفِ. وإن حُجِرَ على المُوَكِّلِ، وكانت الوَكَالَةُ في أعْيانِ مالِه، بَطَلَتْ؛ لِانْقِطاعِ تَصَرُّفِه في أعْيَانِ مالِه. وإن كانت في الخُصُومَةِ، أو الشِّرَاءِ في الذِّمَّةِ، أو الطَّلَاقِ، أو الخُلْعِ، أو القِصَاصِ، فالوَكَالَةُ بحَالِها؛ لأنَّ المُوَكِّلَ أهْلٌ لذلك، وله أن يَسْتَنِيبَ فيه ابْتِداءً، فلا تَنْقَطِعُ الاسْتِدَامَةُ. وإن فَسَقَ الوَكِيلُ لم يَنْعَزِلْ؛ لأنَّه من أهْلِ التَّصَرُّفِ، إلَّا أن تكونَ الوَكَالَةُ فيما يُنَافِيهِ الفِسْقُ، كالإِيجابِ في عَقْدِ النِّكَاحِ، فإنَّه يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ أو فِسْق مُوَكِّله بِخُرُوجِه عن أهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ. وإن كان وَكِيلًا في القَبُولِ لِلْمُوَكِّلِ، لم يَنْعَزِلْ بِفِسْقِ مُوَكِّلِهَ؛ لأنَّه لا يُنَافِى جَوَازَ قَبُولِه. وهل يَنْعَزِلُ بِفِسْقِ نَفْسِه؟ فيه وَجْهانِ. وإن كان وَكِيلًا فيما [تُشْتَرَطُ فيه] (٣) الأمَانَةُ، كوَكِيلِ وَلِىِّ اليَتِيمِ، ووَلِىِّ الوَقْفِ على المَسَاكِينِ، ونحو هذا، انْعَزَلَ بِفِسْقِه وفِسْقِ مُوَكِّلِه بخُرُوجِهِما بذلك عن أهْلِيَّةِ


(١) في ب، م: "رده".
(٢) في الأصل: "لسفه".
(٣) في ب: "تسقط عنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>