للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَضْمونٍ، فكانَ عليه نصفُ الضَّمانِ. والثانى، تُقَسَّطُ الدِّيَةُ على عَدَدِ الضَرَباتِ كُلِّها، فيجبُ من الدِّيَةِ بقدرِ زيادتِه على الأرْبَعين. ورُوىَ عن عليٍّ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه قال: ما كنتُ لِأُقِيمَ حَدًّا على أحدٍ فيَمُوتَ، فأجِدَ في نفسى (١)، إلَّا صاحبَ الخمرِ، ولو ماتَ وَدَيْتُه؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَسُنَّه لنا (٢). ولَنا، أنَّه حَدٌّ وجَبَ للهِ، فلم يجبْ ضمانُ من ماتَ به، كسائرِ الحدودِ، وما زادَ على الأربعين قد ذكرنا أنَّه من الحَدِّ، وإن كان تَعْزِيرًا، فالتَّعْزِيرُ (٣) يجبُ، فهو بمَنْزِلَةِ الحَدِّ. وأمَّا حديثُ عليٍّ، فقد صَحَّ عنه أنَّه قال: جَلَدَ رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أرْبعين، وأبو بكرٍ أربعين (٤). وثَبتَ الحَدُّ بالإِجماعِ، فلم تَبْقَ فيه شُبْهَةٌ.

فصل: ولا نعلمُ بينَ أهلِ العلمِ خِلافًا في سائرِ الحُدودِ، أنَّه إذا أتَى بها على الوَجْهِ المشروعِ، من غيرِ زيادةٍ، أنَّه لا يَضْمَنُ مَنْ تَلِفَ بها؛ ذلك لأنَّه (٥) فَعَلَهَا بأمرِ اللهِ. وأمرِ رسولِه، فلا يُؤَاخَذُ به، ولأنَّه نائِبٌ عن اللهِ تعالى، فكان التَّلفُ منسوبًا إلى اللهِ تعالى. وإن زادَ على الحَدِّ فتَلِفَ، وَجَبَ الضَّمَانُ، بغيرِ خلافٍ نَعْلَمُه؛ لأنَّه تَلِفَ بعُدْوانِه، فأشْبَهَ ما لو ضَرَبَه في غيرِ الحَدِّ. قال أبو بكرٍ: وفى قدرِ الضَّمَانِ قَوْلان؛ أحدهما، كمالُ الدِّيَةِ؛ لأنَّه قَتْلٌ (٦) حصلَ من جِهَةِ اللهِ وعُدْوانِ الضاربِ، فكان الضَّمانُ على العادِى، كما لو ضَرَبَ مرِيضًا سَوْطًا فماتَ به (٧)، ولأنَّه تَلِفَ بعُدْوانٍ وغيرِه، فأشْبَهَ ما لو


(١) في م زيادة: "منه شيئا".
(٢) أخرجه البخاري، في: باب الضرب بالجريد والنعال، من كتاب الحدود. صحيح البخاري ٨/ ١٩٧. ومسلم، في: باب حد الخمر، من كتاب الحدود. صحيح مسلم ٣/ ١٣٣٢. وأبو داود، في: باب إذا تتابع في شرب الخمر، من كتاب الحدود. سنن أبي داود ٢/ ٤٧٤. وابن ماجه، في: باب حد السكران، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٥٨.
(٣) في الأصل: "فإن التعزير".
(٤) تقدم تخريجه، في صفحة ٤٩٩.
(٥) في الأصل: "لأن".
(٦) في ب: "تلف".
(٧) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>