للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على غيرِه. والثانى، لا تَحْمِلُه العاقلةُ؛ لأنَّه لا عُذْرَ له، فأشْبَهَ العَمْدَ المَحْضَ.

فصل: وأمَّا، خَطأُ الإِمامِ والحاكمِ في غيرِ الحُكْمِ والاجْتهادِ، فهو على عاقِلَتِه. بغيرِ خِلافٍ، إذا كان ممَّا تَحْمِلُه العاقلةُ، وما حَصَلَ باجْتِهادِه، ففيه رِوَايتانِ؛ إحداهما، على عاقِلَتِه أيضًا؛ لما رُوِىَ عن عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه بَعَثَ إلى امْرأةٍ ذُكِرَتْ بسُوءٍ، فأجْهضَتْ جَنِينَها، فقال عمرُ لعلىٍّ: عَزَمْتُ عليك، لا تَبْرَحْ حتى تَقْسِمَها على قَوْمِكَ (٣٤). ولأنَّه جانٍ، فكان خَطَأُه على عاقِلَتِه، كغيرِه. والثانية، هو (٣٥) في بيتِ المالِ. وهو مذهبُ الأوْزَاعِىِّ، والثَّوْرِىِّ، وأبى حنيفةَ، وإسْحاقَ؛ لأنَّ الخطأَ يَكْثُرُ في أحْكامِه واجْتهادِه، فإيجابُ عَقْلِه على عاقِلَتِه يُجْحِفُ بهم، ولأنَّه نائِبٌ عن اللَّه تعالى في أحْكامِه وأفْعالِه، فكان أرْشُ جِنَايتِه في مالِ اللَّه سبحانه. وللشافعيِّ قَوْلان، كالرِّوايتَيْنِ.

١٤٦٥ - مسألة؛ قال: (وإذا جَنَى الْعَبْدُ، فَعَلَى سَيِّدِه أنْ يَفْدِيَهُ أوْ يُسَلِّمَهُ، فَإنْ كَانَت الْجِنَايَةُ أكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، لَمْ يَكُنْ عَلَى سَيِّدهِ أكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ)

هذا في الجنايةِ التي تُودَى (١) بالمالِ، إمَّا لكَوْنِها لا تُوجِبُ إلَّا المال، وإمَّا لكَوْنِها مُوجبةً للقِصاصِ، فعَفَا عنها إلى المالِ، فإنَّ جِنايةَ العَبْدِ تتَعَلَّقُ برَقَبتِه إذ لا يَخْلُو من أن تتعلَّقَ برَقَبَتِه، أو ذِمَّتِه، أو ذِمَّةِ سَيِّدِه، أو لا يَجِبَ شيءٌ، ولا يُمْكِنُ إلغاؤُها؛ لأنَّها جِنايةُ آدَمِىٍّ، فيَجِبُ اعْتِبارُها كجِنايةِ الحُرِّ، ولأنَّ جِنايةَ الصغيرِ والمجنونِ غيرُ مُلْغاةٍ، مع عُذْرِه، وعَدَمِ تَكْلِيفِه، فجِنايةُ العَبْدِ أَوْلَى، ولا يُمْكِنُ تعَلُّقُها بذِمَّتِه؛ لأنَّه يُفْضِى إلى إلْغائِها، أو تأْخِيرِ حَقِّ المَجْنِىِّ عليه إلى غيرِ غايةٍ، ولا بذِمَّةِ السَّيِّدِ؛ لأنَّه لم يَجْنِ، فتَعَيَّنَ تعَلُّقُها برَقَبةِ العَبْدِ، ولأنَّ الضَّمانَ مُوجَبُ جِنايَتِه، فتتعَلَّقُ برَقَبتِه، كالقِصاصِ. ثم لا


(٣٤) أخرجه عبد الرزاق، في: باب من أفزعه السلطان، من كتاب العقول. المصنف ٩/ ٤٥٨، ٤٥٩.
(٣٥) في ب: "هي".
(١) في الأصل، ب: "تؤد".

<<  <  ج: ص:  >  >>