للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَخْلُو أرْشُ الجِنايةِ من أن يكونَ بقَدْرِ قِيمَتِه فما دُونَ، أو أكثرَ؛ فإن كان بقَدْرِها فما دُونَ، فالسَّيِّدُ مُخَيَّرٌ بين أن يَفْدِيَه بأرْشِ جِنايَتِه، أو يُسَلِّمَهُ إلى وَلِىِّ الجِنايةِ فيَمْلِكَه. وبهذا قال الثَّوْرِىُّ، ومحمدُ بن الحسنِ، وإسْحاقُ. ورُوِىَ ذلك عن الشَّعْبِىِّ، وعَطاءٍ، ومُجاهِدٍ، وعُرْوةَ، والحسنِ، والزُّهْرِىِّ، وحَمَّادٍ؛ لأنَّه إن دَفَعَ أرْشَ الجِنايَةِ، فهو الذي وجَبَ للمَجْنِىِّ عليه، فلم يَمْلِكِ المُطالبةَ بأكثرَ منه، وإن سَلَّمَ العَبْدَ، فقد أدَّى المَحَلَّ الذي تعَلَّقَ الحَقُّ به، ولأنَّ حَقَّ المجنِىِّ عليه لا يتعلَّقُ بأكثرَ من الرَّقبةِ، وقد أدَّاها. وإن طالبَ الْمَجنِىُّ عليه بتَسْلِيمِه إليه، وأبَى ذلك سَيِّدُه، لم يُجْبَرْ عليه؛ لما ذكَرْنا. وإن دَفَعَ السَّيِّدُ عبدَه، فأبَى الجانِى قَبُولَه، وقال: بِعْهُ، وادْفَعْ إلىَّ ثَمَنَه. فهل يَلْزَمُ السَّيِّدَ ذلك؟ على رِوَايتَيْن. وأمَّا إن كانت الجِنايةُ أكثرَ من قِيمَتِه، ففيه رِوَايتان؛ إحداهما، أنَّ سَيِّدَه مُخَيَّرٌ (٢) بين أن يَفْدِيَه بقِيمَتِه أو أرْشِ جِنايتِه، وبينَ أن يُسَلِّمَه؛ لأنَّه إذا (٣) أدَّى قِيمَتَه، فقد أدَّى قَدْرَ الواجبِ عليه، فإنَّ حَقَّ الْمَجنِىِّ عليه لا يَزِيدُ على العَبْدِ، [فإذا أدَّى قِيمَتَه، فقد أدَّى الواجبَ عليه] (٤)، فلم يَلْزَمْه أكثرُ من ذلك، كما لو كانت الجِنايةُ بقَدْرِ قِيمَتِه. والرِّواية الثانية، يَلْزَمُه تسْلِيمُه، إلَّا أن يَفْدِيَه بأرْشِ (٥) جِنايَتِه بالِغةً ما بَلَغَتْ. وهذا قولُ مالكٍ؛ لأنَّه ربما إذا (٣) عُرِضَ للبَيْعِ رَغِبَ فيه راغبٌ بأكثرَ من قِيمَتِه، فإذا أمْسَكَه فقد فَوَّتَ تلك الزِّيادةَ على الْمَجنِىِّ عليه. وللشافعىِّ قَوْلانِ، كالرِّوايتَيْنِ. ووَجْهُ الرِّوايةِ الأُولَى، أنَّ الشَّرْعَ قد جَعَلَ له فِداءَه، فكان له فداؤُه، فكان الواجبُ قَدْرَ قِيمَتِه، كسائرِ المُتْلَفاتِ.

فصل: فإن كانت الجنايةُ مُوجِبةً للقِصاصِ، فعَفَا وَلِىُّ الجنايةِ على أنْ يَمْلِكَ العبدَ، لم يَمْلِكْه بذلك؛ لأنَّه إذا لم يَمْلِكْه بالجنايةِ، فلأَن لا يَمْلِكَه بالعَفْوِ أَوْلَى، ولأنَّه أحدُ مَنْ


(٢) في ب، م: "يخير".
(٣) سقط من: ب.
(٤) سقط من: م.
(٥) في ب: "أرش".

<<  <  ج: ص:  >  >>