للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها، لم يَلْزَمْه؛ لأنَّه يُرادُ للزِّينةِ، وإن طَلَبه منها، فهو عليه. وأمَّا الطِّيبُ، فما يُرادُ منه لقَطْعِ السُّهُولةِ، كدَواءِ العَرَقِ، لَزِمَه؛ لأنَّه يُرادُ للتَّنْظِيفِ (٣٨)، وما يُرادُ منه للتَّلَذُّذِ والاسْتِمْتاعِ، لم يَلْزَمْه؛ لأنَّ الاسْتِمْتاعَ حَقٌّ له، فلا يجبُ عليه ما يَدْعُوه إليه. ولا يجبُ عليه شِراءُ الأَدْوِيةِ، ولا أجْرةُ الطَّبيبِ؛ لأنَّه يرادُ لإِصْلاحِ الجِسْمِ، فلا يلزمُه، كما لا يَلْزَمُ المُسْتأجِرَ بِناءُ ما يَقَعُ من الدارِ، وحِفْظُ أصُولِها، وكذلك أجْرَةُ الحَجَّامِ والفاصِدِ.

فصل: وتجبُ عليه كُسْوَتُها، بإجماعِ أهلِ العلمِ؛ لما ذكَرْنا من النُّصوصِ، ولأنَّها لا بُدَّ منها على الدَّوامِ، فلَزِمَتْه، كالنَّفقةِ، وهى مُعْتَبَرةٌ بكِفايَتِها، وليست مُقَدّرةً بالشرعِ (٣٩)، كما قُلْنا في النَّفَقةِ. ووافَقَ أصحابُ الشافعىِّ على هذا، ويُرْجَعُ في ذلك إلى اجْتِهادِ الحاكِم، فيَفْرِضُ لها على قَدْرِ كِفايَتِها، على قَدْرِ يُسْرِهما وعُسْرِهما، وما جَرَتْ عادةُ أمثالِهما به، من الكُسْوةِ، فيَجْتَهِدُ الحاكمُ في ذلك عندَ نُزُولِ الأمرِ، كنحوِ اجْتِهادِه في المُتْعةِ للمُطَلَّقةِ، وكما قُلْنا في النَّفقةِ، فيَفْرِضُ للمُوسِرَةِ تحتَ المُوسِرِ من أرْفَعِ ثيابِ البَلَدِ، من الكَتَّانِ والخَزِّ والإِبْرِيسَمِ، وللمُعْسِرَةِ تحتَ المُعْسرِ، غَلِيظَ (٤٠) القُطْنِ والكَتَّانِ، وللمُتَوَسِّطةِ تحتَ المُتوسِّطِ، المُتَوسِّطَ (٤١) من ذلك، فأقَلُّ ما يجبُ من ذلك قَمِيصٌ, وسَرَاوِيلُ، ومَقْنَعةٌ، ومَدَاسٌ، وجُبّةٌ للشِّتاءِ، ويَزِيدُ من عَدَدِ الثّيابِ ما جَرَتِ العادةُ بِلُبْسِه، ممَّا لا غِنَى عنه, دُونَ ما للتَّجَمُّلِ والزِّينةِ، والأصلُ في هذا قولُ اللَّه عز وجل: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. وقولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ولَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وكُسْوَتُهُنَّ بالْمَعْرُوفِ". والكُسْوةُ بالمعروفِ هي الكُسْوةُ التي جَرَتْ عادةُ أمثالِها بلُبْسِه، وقولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِهنْد: "خُذِى مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ".


(٣٨) في م: "للتطيب".
(٣٩) في ب: "في الشرع".
(٤٠) في أ: "غليظها".
(٤١) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>