للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَطاءٌ، وطاوُسٌ، والزُّهْرِىُّ، وبَكْرٌ المُزَنِىُّ (٣١)، والنَّخَعِيُّ، ومالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وإسحاقُ، ويَعقوبُ، ومحمدٌ. وَرُوِىَ ذلك عن ابنِ عمرَ، وكَرِهَهُ الحَكَمُ. وقال أبو حنيفةَ: إذا خَرَجَ الإِمامُ حَرُمَ الكلامُ. قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: إنَّ عمرَ وابنَ عَبَّاسٍ كانا يَكْرهانِ الكلامَ والصلاةَ بعد خُرُوجِ الإِمامِ، ولا مُخالِفَ لهما في الصَّحابةِ. ولَنا، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ والإِمَامُ يَخْطُبُ أنْصِتْ، فقد لَغَوْتَ" (٣٢). فَخَصَّهُ بوَقْتِ الخُطْبَةِ. وقال ثَعْلَبَةُ بن أبي مالِكٍ: إنَّهم كانوا في زَمَنِ عمرَ إذا خَرَجَ عمرُ، وجَلَسَ على المِنْبَرِ، وأَذَّنَ المُؤَذِّنُونَ، جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ، حتى إذا سَكَتَ المُؤَذِّنُونَ، وقام عمرُ سَكَتُوا، فلم يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ (٣٣)، وهذا يَدُلُّ على شُهْرَةِ الأمْرِ بينهم. ولأنَّ الكلامَ إنَما حُرِّمَ لأَجْلِ الإِنْصاتِ لِلْخُطْبَةِ، فلا وَجْهَ لِتَحْرِيمِه مع عَدَمِها. وقولُهم: لا مُخالِفَ لهما في الصَّحابَةِ. قد ذَكَرْنَا عن عُمُومِهِم خِلافَ هذا القَوْلِ.

فصل: فأمَّا الكلامُ في الجَلْسَةِ بين الخُطْبَتَيْنِ، فيَحْتَمِلُ أن يَكونَ جائزًا؛ لأنَّ الإِمامَ غيرُ خاطِبٍ ولا مُتَكَلِّمٍ، فأشْبَهَ ما قبلَها وبعدَها. وهذا قولُ الحسنِ. ويَحْتَمِلُ أن يُمْنَعَ منه، وهو قولُ مالِكٍ، والشَّافِعِىِّ، والأوْزَاعِىِّ، وإسحاقَ؛ لأنَّه سُكُوتٌ يَسِيرٌ في أثْناء الخُطْبَتَيْنِ، أشْبَهَ السُّكُوتَ لِلتَّنَفُّسِ.

فصل: إذا بَلَغَ الخَطِيبُ إلى الدُّعاءِ، فهل يَسُوغُ الكلامُ؟ فيه وَجْهَانِ: أحَدُهما، الجَوازُ؛ لأنَّه فَرَغَ من الخُطْبَةِ، وشَرَعَ في غيرِها، فأشْبَهَ ما لو نَزَلَ.


(٣١) أبو عبد اللَّه بكر بن عبد اللَّه بن عمرو المزني، تابعى ثقة فقيه، توفى سنة ثمان ومائة. تهذيب التهذيب ١/ ٤٨٤.
(٣٢) تقدم تخريجه في صفحة ١٩٥.
(٣٣) تقدم تخريجه في صفحة ١٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>