للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشْبَهُ بمَسْأَلَةِ الصَّاعِ من الحائِطِ وإليها أقْرَبُ، والمعنى الذى ذَكَرْنَاهُ فيها مُتَحَقِّقٌ هاهُنا، فلا يَصِحُّ. واللهُ أعلمُ. الفصل الثاني، أَنَّه إذا اسْتَثْنَى نَخْلَةً، أو شَجَرَةً بِعَيْنِها، جازَ. ولا نَعْلَمُ فى ذلك خِلافًا؛ وذلك لأنَّ المُسْتَثْنَى مَعْلُومٌ، ولا يُؤَدِّى إلى جَهالَةِ المُسْتَثْنَى منه. وإنِ اسْتَثْنَى شَجَرَةً غيرَ مُعَيَّنَةٍ، لم يَجُزْ؛ لأنَّ الاسْتِثْناءَ غيرُ مَعْلُومٍ، فصار المَبِيعُ والمُسْتَثْنَى مَجْهُولَيْنِ. ورُوِىَ عن ابنِ عُمَرَ، أَنَّه باعَ ثَمَرَتَه بأَرْبَعَةِ آلافٍ، واسْتَثْنَى طَعَامَ الْفِتْيانِ (٧). وهذا يَحْتَمِلُ أنَّه اسْتَثْنَى نَخْلًا مُعَيَّنًا بقَدْرِ طَعَامِ الْفِتْيانِ (٧)؛ لأنَّه لو حُمِلَ على غير ذلك لَكان (٨) مُخالِفًا لِنَهْىِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الثُّنْيَا إلَّا أن تُعْلَمَ. ولأنَّ المُسْتَثْنَى (٩) متى كان مَجْهُولًا لَزِمَ أن يكون الباقِى بعدَه مَجْهُولًا، فلا يَصِحُّ بَيْعُه، كما لو قال: بِعْتُكَ من هذه الثَّمَرَةِ طَعَامَ الفِتْيانِ (٧).

فصل: وإنِ اسْتَثْنَى جُزْءًا مَعْلُومًا من الصُّبْرَةِ أو الحائِطِ مُشاعًا، كثُلُثٍ، أو رُبْعٍ، أو أجْزَاءٍ، كسُبعَيْنِ، أو ثلاثةِ أثْمَانٍ، صَحَّ البَيْعُ والاسْتِثْناءُ. ذَكَرَهُ أصْحَابُنا. وهو مذهبُ الشَّافِعِيِّ. وقال أبو بكرٍ، وابنُ أبي مُوسَى: لا يجوزُ. ولَنا، أنَّه لا يُؤَدِّى إلى جَهالَةِ المُسْتَثْنَى ولا المُسْتَثْنَى منه، فصَحَّ، كما لو اشْتَرَى شَجَرَةً بعَيْنِها؛ وذلك لأنَّ مَعْنى: بعْتُكَ هذه الصُّبْرَةَ إلَّا ثُلُثَها. أى بِعْتُكَ ثُلُثَيْها. وقوله: إلَّا رُبْعَها معناه: بِعْتُكَ ثَلَاثَةَ أَرْباعِها. ولو باعَ حَيَوانًا، واسْتَثْنَى ثُلُثَه، جازَ، وكان مَعْناهُ بِعْتُكَ ثُلُثَيْهِ. ومنَع منه القاضى أبو يَعْلَى قِياسًا على اسْتِثْناءِ الشَّحْمِ. ولا يَصِحُّ؛ لأنَّ الشَّحْمَ مَجْهُولٌ لا يَصِحُّ إفْرادُه بالبَيْعِ، وهذا مَعْلُومٌ، ويَصِحُّ إفْرادُه بالبَيْعِ، فصَحَّ اسْتِثْناؤُه، كالشَّجَرَةِ المُعَيَّنَةِ، وقِياسُ المَعْلُومِ على المَجْهُولِ فى الفَسادِ لا يَصِحُّ، فعلى هذا يَصِيرانِ شَرِيكَيْنِ فيه، لِلْمُشْتَرِى ثُلُثاهُ وللبائِعِ ثُلُثُه.


(٧) فى م: "القيان".
(٨) سقط من: م.
(٩) فى الأصل: "المشترى".

<<  <  ج: ص:  >  >>