للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَضِىَ اللَّهُ عنهما، ولا مُخالِفَ لهما فى الصَّحَابَةِ؛ ولأنَّه إزالةُ مِلْكٍ بُنِىَ على التَّغْلِيبِ والسِّراية، فتَدْخُلُه القُرْعةُ كالعِتْقِ، وقد ثَبَتَ الأصْلُ؛ بكَوْنِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أقْرَعَ بين العَبيدِ السِّتَّةِ (٢)، ولأنَّ الحَقَّ لِوَاحِدٍ (٣) غيرِ مُعَيَّنٍ، فوجَبَ تَعيينُه بالقُرْعةِ، كالحُرِّيّةِ فى العَبِيدِ إذا أعْتَقَهم فى مَرَضِه، ولم يَخرُجْ جميعُهم مِن الثُّلْثِ، وكالسَّفَرِ بإحْدَى نسائِه، والبِدَايةِ بإحْدَاهُنَّ فى القَسْمِ، وكالشَّريكينِ إذا اقْتَسَمَا، ولأنَّه طلَّقَ واحدةً من نسائهِ، لا يُعْلمُ عَيْنُها، فلم يَمْلِكْ تَعْيينَها باخْتيارِه، كالمَنْسِيَّةِ. وأمَّا الدَّليلُ على أنَّهُنَّ (٤) لا يَطْلُقْنَ جميعًا؛ أنَّه أضافَ الطَّلاقَ إلى واحدةٍ (٥)، فلم يَطْلُقِ الجميعُ، كما لو عَيَّنَهَا. قولُهم: إنَّه كان يَمْلِكُ الإِيقاعَ والتَّعْيينَ. قُلْنا: مِلْكُه للتَّعْيينِ بالإِيقاعِ لا يلْزمُ (٦) أَنْ يَمْلِكَه بعدَه، كما لو طلَّقَ واحدةً بصنِها، وأُنْسِيَها. وأمَّا إنْ (٧) نَوَى واحدةً بعينِها، طَلُقَتْ وحدَها؛ لأنَّه عَيَّنَهَا بِنيَّتِه، فأشْبَهَ ما لو عيَّنها بلَفْظِه. وإن قال: إنَّما أردتُ فُلَانة. قُبِلَ منه؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ ما قالَه. وان ماتَ قَبْلَ القُرْعةِ والتَّعْيينِ، أقْرَعَ الوَرَثةُ بينَهُنَّ، فمَنْ وَقَعَتْ عليها قُرْعَةُ الطَّلاقِ، فَحُكْمُها فى الميراثِ حُكمُ ما لو عَيَّنَها بالتَّطْلِيقِ.

فصل: وإذا قال لنسائِه: إحْداكُنَّ طالِقٌ غدًا. فجاء غَدٌ، طَلُقَتْ واحدةٌ مِنهُنَّ، وأُخْرِجَتْ بالقُرْعَةِ. فإن ماتَ قَبْلَ الغدِ، وَرِثْنَه كُلُّهُنَّ. وإِنْ ماتَتْ إحْدَاهُنَّ وَرِثَها؛ لأنَّها ماتَتْ قَبْلَ وُقوعِ الطَّلاقِ، فإذا جاء غَدٌ، أُقْرِعَ بينَ المَيِّتَةِ والأحْياءِ، فإن وقَعَتِ القُرْعَةُ على المَيِّتَةِ، لم يَطْلُقْ شىءٌ مِن الأحْياءِ، وصارَتْ كالمُعَيَّنَةِ بقوله: أنتِ طالقٌ غدًا. وقال القاضى: قياسُ المذهبِ أن يَتَعَيَّنَ الطَّلاقُ فى الأحْياءِ، فلو كانَتا اثنتَيْنِ، فماتتْ إحْدَاهما، طَلُقَتِ الأُخْرَى، كما لو قال لامْرأتِه وأجنَبِيَّةٍ: إحْداكما طَالِقٌ. وهو قولُ أبى حنيفةَ. والفَرْقُ بينهما ظاهرٌ، فإنَّ الأجْنَبِيَّةَ ليست مَحَلًّا لِلطَّلاقِ وقتَ قولِه، فلا يَنْصَرِفْ قولُه إليها، وهذه قد كانت مَحَلًّا للطَّلاقِ، وإرادَتُها بالطَّلاقِ مُمْكِنَةٌ،


(٢) تقدم تخريجه فى: ٨/ ٣٩٥.
(٣) فى الأصل: "الواحد".
(٤) فى الأصل، ب: "أنه".
(٥) فى أ: "إحداهن".
(٦) فى ب، م: "يلزمه".
(٧) فى أ: "إذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>