للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُضَارَبةِ، فإنَّه يَقَعُ فاسِدًا، وعليه الضَّمانُ؛ لأنَّ عَقْدَ الوَكِيلِ يَقَعُ للمُوَكِّلِ، والمُسْلِمُ لا يَثْبُتُ مِلْكُه على الخَمْرِ والخِنْزِيرِ، فأَشْبَهَ ما لو اشْتَرَى به مَيْتَةً، أو عَامَلَ بالرِّبا، وما خَفِىَ أمْرُه فلم يُعْلَمْ، فالأصْلُ إبَاحَتُه وحِلُّه. فأمَّا المَجُوسِىُّ، فإنَّ أحمدَ كَرِهَ مُشَارَكَتَه ومُعَامَلَتَهُ، قال: ما أُحِبُّ مُخَالَطَتَهُ ومُعَامَلَتَهُ؛ لأنَّه يَسْتَحِلُّ ما لا يَسْتَحِلُّ هذا. قال حَنْبَلٌ: قال عَمِّى: لا تُشَارِكْه ولا تُضَارِبْه. وهذا واللهُ أعْلَمُ على سَبِيلِ الاسْتِحْبابِ، لِتَرْكِ مُعَامَلَتِه والكَراهَةِ لِمُشَارَكَتِه، وإنْ فَعَلَ صَحَّ؛ لأنَّ تَصَرُّفَهُ صَحِيحٌ.

٨٢٧ - مسألة؛ قال: (وَشَرِكَةُ الأَبْدَانِ جَائِزَةٌ)

مَعْنَى شَركَةِ الأَبْدَانِ، أن يَشْتَرِكَ اثْنَانِ أو أكْثَرُ فيما يَكْتَسِبُونَه بأَيْدِيهِم، كالصُّنَّاعِ يَشْتَرِكُونَ على أن يَعْمَلُوا في صِناعَتِهم (١)، فما رَزَقَ اللهُ تَعَالَى فهُو بينهم. وإن اشْتَرَكُوا فيما يَكْتَسِبُونَ من المُبَاحِ، كالحَطَبِ، والحَشِيشِ، والثِّمارِ المأْخُوذَةِ من الجِبَالِ، والمَعَادِنِ، والتَّلَصُّصِ على دَارِ الحَرْبِ، فهذا جَائِزٌ. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوايةِ أبى طالِبٍ، فقال: لا بَأْسَ أن يَشْتَرِكَ القَوْمُ بأَبدَانِهِم، وليس لهم مالٌ، مثل الصَّيَّادِينَ والنَّقَّالِينَ والحَمَّالِينَ. قد أشْرَكَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بين عَمَّارٍ وسَعْدٍ وابن مَسْعُودٍ، فجاء سَعْدٌ بأَسِيرَيْنِ، ولم يَجِيئَا بشيءٍ (٢). وفَسَّرَ أحمدُ صِفَةَ الشَّرِكَةِ في الغَنِيمَةِ، فقال: يَشْتَرِكانِ فيما يُصِيبانِ من سَلَبِ المَقْتُولِ؛ لأنَّ القاتِلَ يَخْتَصُّ به دون الغَانِمِينَ. وبهذا قال مالِكٌ. وقال أبو حنيفةَ: يَصِحُّ في الصِّنَاعةِ، ولا يَصِحُّ في اكْتِسابِ المُباحِ، كالاحْتِشَاشِ والاغْتِنَاِم؛ لأنَّ الشَّرِكَةَ مُقْتَضاهَا الوَكَالةُ ولا تَصِحُّ الوَكَالَةُ في هذه الأشياءِ؛ لأنَّ من أخَذَهَا مَلَكَها. وقال الشَّافِعِىُّ: شَرِكَةُ الأَبْدانِ كلُّها فاسِدَةٌ؛ لأنَّها شَرِكَةٌ على غير مالٍ. فلم تَصِحَّ. كما لو اخْتَلَفَتِ الصِّنَاعاتُ (٣). ولَنا، ما رَوَى أبو دَاوُدَ (٢) والأَثْرَمُ بإِسْنادِهما، عن أبي عُبَيْدَةَ (٤)، عن عبدِ اللَّه، قال: اشْتَرَكْنَا أنا وسَعْدٌ


(١) في م: "صناعاتهم".
(٢) أخرجه أبو داود، في: باب في الشركة على غير رأس مال، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٣٠. والنسائي، في: باب الشركة بغير مال، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٨٠.
(٣) في الأصل: "الصناعتان".
(٤) في أ، ب، م زيادة: "بن عبد اللَّه"، وهو تصحيف "عن عبد اللَّه" الآتى.

<<  <  ج: ص:  >  >>