للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّما كَرِهَ للرَّجُلِ المَشْيَ في نَعْلَيْهِ، لما فيهما مِن الخُيَلَاءِ، فإنَّ نِعالَ السِّبْتِ من لِبَاسِ أهْلِ النَّعِيمِ، قال عَنْتَرَةُ (٤):

* يُحْذَى نِعَالَ السِّبْتِ ليس بِتَوْأَمِ *

ولَنا، أمْرُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الخَبَرِ الذي تَقَدَّمَ، وأقَلُّ أحْوَالِه النَّدْبُ، ولأنَّ خَلْعَ النَّعْلَيْنِ أقْرَبُ إلى الخُشُوعِ، وزِيُّ أهْلِ التَّوَاضُعِ، واحْتِرَامُ أمْواتِ المسلِمين، وإخْبارُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنَّ المَيِّتَ يَسْمَعُ قَرْعَ نِعالِهم لا يَنْفِي الكَرَاهَةَ، فإنَّه يَدُلُّ على وُقُوعِ هذا منهم، ولا نِزَاعَ في وُقُوعِه وفِعْلِهم إيَّاهُ مع كَراهَتِه (٥)، فأمَّا إنْ كان لِلْمَاشِي عُذْرٌ يَمْنَعُه مِن خَلْعِ نَعْلَيْه، مثل الشَّوْكِ يَخافُه على قَدَمَيْهِ، أو نَجاسَةٍ تَمَسُّهُما، لم يُكْرَه المَشْيُ في النَّعْلَيْنِ. قال أحمدُ، في الرَّجُلِ يَدْخُلُ المَقابِرَ وفيها شَوْكٌ يَخْلَعُ نَعْلَيْهِ: هذا يُضَيِّقُ على النَّاسِ حتى يَمْشِىَ الرَّجُلُ في الشَّوْكِ، وإن فَعَلَهُ فحَسَنٌ، هو أحْوَطُ، وإن لم يَفْعَلْهُ رَجُلٌ. يعني لا بَأْسَ. وذلك لأنَّ العُذْرَ يَمْنَعُ الوُجُوبَ في بعضِ الأحْوالِ، والاسْتِحْبَابُ أوْلَى، ولا يَدْخُلُ في الاسْتِحْبابِ نَزْعُ الخِفافِ؛ لأنَّ نَزْعَها يَشُقُّ. وقد رُوِيَ عن أحمدَ أنَّه كان إذا أرادَ أن يَخْرُجَ إلى الجِنازَةِ لَبِسَ خُفَّيْهِ، مع أَمْرِهِ بِخَلْعِ النِّعَالِ. وذَكَرَ القاضي أنَّ الكَرَاهَةَ لا تَتَعَدَّى النِّعَالَ إلى الشمشكات (٦) ولا غَيْرِها؛ لأنَّ النَّهْىَ غيرُ مُعَلَّلٍ، فلا يَتَعَدَّى مَحَلَّه.

فصل: ويُكْرَهُ المَشْيُ على القُبُورِ. وقال الخَطَّابِيُّ: ثَبَتَ أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى


= كتاب الجنائز. سنن أبي داود ٢/ ١٩٥. والنسائي، في: باب التسهيل في غير السبتية، وباب المسألة في القبر، وباب مسألة الكافر، من كتاب الجنائز. المجتبى ٤/ ٧٩. والإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ١٢٦، ٢٣٣. ومختصرا في ٢/ ٣٤٧، ٤٤٥.
(٤) عجز بيت له من معلقته، وصدره:
* بطلٌ كأنَّ ثيابَه في سَرْحَةٍ *
ديوانه ١٠٣.
(٥) في أ، م: "كراهيته".
(٦) لم نجده فيما بين أيدينا من معاجم.

<<  <  ج: ص:  >  >>