فصل: وإن حَلَفَ يَمِينًا عَامّةً، لسَببٍ خَاصٍّ، وله نِيَّةٌ، حُمِلَ عليها، ويُقْبَلُ قَوْلُه فى الحُكْمِ؛ لأنَّ السَّببَ دَلِيلٌ على صِدْقِه. وإن لم يَنْوِ شيئًا، فقد رُوِىَ عن أحمد ما يدُلُّ على أَنَّ يَمِينَه تَخْتَصُّ بما وُجِدَ فيه السَّببُ. وذكره الخِرَقىُّ، فقال فإنْ لم يَكُنْ له نِيَّةٌ، رُجِعَ إلى سَبَبِ اليَمينِ وما هَيَّجَها. فظَاهِرُ هذا أَنَّ يَمِينَه مَقْصُورَةٌ على محلِّ السَّببِ. وهذا قولُ أصْحَابِ أبى حَنِيفةَ. ورُوِىَ (١٤٦) عن أحمدَ ما يدُلُّ على أَنَّ يَمِينَه تُحْمَلُ على العُمُومِ؛ فإنَّه قال، فى مَن قال: للَّهِ علىَّ أَنْ لا أصِيدَ فى هذا النَّهرِ. لظُلْمٍ رَآهُ، فتغيَّرَ حَالُه، فقال: النَّذْرُ يُوَفَّى به. وذلك لأنَّ اللَّفْظَ دَلِيلُ الحُكْمِ، فيَجبُ الاعتِبارُ به فى الخُصُوصِ والعُمُومِ، كما فى لفْظِ الشَّارِعِ. ووَجْهُ الأوَّلِ، أَنَّ السَّببَ الخَاصَّ يَدُلُّ على قَصْدِ الخُصُوصِ، ويقُومُ مَقامَ النِّيَّةِ عند عَدَمِها؛ لدِلالَتِه عليها، فوَجَبَ أن يخْتَصَّ به اللَّفْظُ العَامُّ كالنِّيَّةِ، وفارقَ لفْظَ الشَّارِعِ؛ فإنَّه يُريدُ بيانَ الأَحْكامِ، فلا يَخْتَصُّ بمحلِّ السَّببِ، لكَوْنِ الحاجَةِ داعِيةً إلى معْرِفةِ الحُكمِ فى غيرِ محلِّ السَّبَبِ. فعلى هذا، لو قامتِ امْرَأتُه لتَخْرُجَ، فقال: إنْ خَرَجْتِ فأنتِ طالِقٌ. فرجَعَتْ، ثم خَرَجَتْ بعد ذلك؛ أو دَعَاه إنسانٌ إلى غَدَائِه، فقال: امرَأتِى طالِقٌ إنْ تَغَدَّيْتُ. ثم رَجَعَ فتغَدَّى فى منزِلِه، لم يَحْنَثْ على الأوَّلِ، ويَحْنَثُ على الثَّانِى. وإِنْ حَلَفَ لعَاملٍ أَنْ لا يخْرُجَ إلَّا بإذْنِه، أو حَلَفَ بذلك على امرَأتِه أو مَمْلُوكهِ، فعزَلَ العامِلَ، وطَلَّقَ المرأةَ، وبَاعَ المَمْلُوكَ، أو حَلَفَ على وَكيلٍ فعَزَلَه، خُرِّجَ فى ذلك كُلِّه وَجْهَانِ.
فصل: وإِنْ قال: إنْ دَخَلَ دارِى أحدٌ، فامرَأتِى طالِقٌ. فدَخَلَها هو. أو قال لإنسانٍ: إنْ دَخَلَ دَارَك أحدٌ، فعبْدِى حُرٌّ. فدخَلَها صاحِبُها، فقال القاضِى: لا يَحْنَثُ؛ لأنَّ قرِينَةَ حالِ المُتكلِّمِ تدُلُّ على أنَّه إنَّما يَحْلِفُ على غيرِه، ويَمْنَعُ مَنْ سِوَاهُ، فيخْرُجُ هو مِن العُمُومِ بالقَرينةِ، ويَخْرُجُ المُخاطَبُ من اليمينِ بها أيضًا. ويَحتمِلُ