للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: ويَلْزَمُ الرَّجُلَ إعْفافُ أبيه، إذا احتاجَ إلى النكاحِ. وهذا ظاهرُ مذهبِ الشافعىِّ. ولهم في إعْفافِ الأبِ الصَّحيحِ وجهٌ آخرُ، أنَّه لا يَجِبُ. [وقال أبو حنيفةَ: لا يَلْزَمُ الرَّجُلَ إعفافُ أَبيه، سواء وجَبَتْ نفَقَتُه أو لم تَجِبْ؛ لأنَّ ذلك من أعظمِ المَلَاذِّ، فلم تَجبْ للأبِ، كالحَلْواءِ، ولأنَّه أحدُ الأبوَيْنِ، فلم يَجِبْ] (٣٧) له ذلك (٣٨) كالأُمِّ. ولَنا، أنَّ ذلك ممَّا تَدْعُو حاجَتُه إليه، ويَسْتَضِرُّ بفَقْدِه، فلَزِمَ ابْنَه له، كالنَّفقةِ، ولا يُشْبِه الحَلْواءَ؛ لأنَّه لا يَسْتَضِرُّ بفَقْدِها، وإنَّما يُشْبِهُ الطَّعامَ والأُدْمَ، وأمَّا الأُمُّ فإنَّ [إعْفافُها إنّما هو تَزْوِيجُها] (٣٩) إذا طَلَبَتْ ذلك، وخَطَبَها كُفْؤُها، ونحن نقولُ بوُجُوبِ ذلك عليه، وهم يوافِقُونَنا في ذلك. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يَجِبُ إعفافُ مَنْ لَزِمَتْ نفَقَتُه من الآباءِ والأجْدادِ، فإن اجْتَمَعَ جَدَّانِ، ولم يُمْكِنْ إلَّا إعْفَافُ أحَدِهما، قُدِّمَ الأقْرَبُ، إلَّا أن يكونَ أحَدُهما من جهةِ الأبِ والآخرُ من جهةِ الأمِّ، فيُقَدَّمُ الذي من جهةِ الأبِ وإن بَعُدَ؛ لأنَّه عَصَبةٌ، والشَّرْعُ قد اعْتَبَرَ جِهَتَه في التَّوْرِيثِ والتَّعْصِيبِ، فكذلك في الإِنْفاقِ والاسْتِحقاقِ.

فصل: وإذا وَجَبَ عليه إعْفافُ أبِيه، فهو مُخَيَّرٌ، إن شاء زَوَّجَه حُرَةً، وإن شاء مَلَّكه أمَةً، أو دَفَعَ إليه ما يتزَوَّجُ به حُرَّةً أو يَشْتَرِى به أمَةً، وليس للأبِ التَّخْييرُ عليه، إلَّا أنَّ الأبَ إذا عَيَّنَ امرأةً، وعَيَّنَ الابنُ أُخْرَى، وصَدَاقُهما واحدٌ، قُدِّمَ تَعْيِينُ الأبِ؛ لأنَّ النكاحَ له، والمُؤْنةَ واحدةٌ، فقُدِّمَ قولُه كما لو عَيَّنَتِ البنتُ كُفْؤًا، وعَيَّنَ الأبُ كُفْؤًا، لقُدِّمَ (٤٠) تَعْيِينُها. وإن اخْتَلَفا في الصَّداقِ، لم يَلْزَم الابْنَ الأكْثَرُ؛ لأنَّه إنَّما يَلْزَمُ أقَلُّ ما تَحْصُلُ به الكِفايةُ، ولكن ليس له أنْ يُزَوِّجَه أو يُمَلِّكَه قَبِيحةً أو كبيرةً لا اسْتِمْتاعَ فيها، وليس له أن يُزَوِّجَه أمَةً؛ لأنَّ فيه ضَرَرًا عليه، وهو إرْقاقُ ولَدِه، والنَّقْصُ في اسْتِمْتاعِه.


(٣٧) سقط من: ب. نقل نظر.
(٣٨) سقط من: ب.
(٣٩) في ب، م: "فإنما إعفافها بتزويجها".
(٤٠) في م: "يقدم".

<<  <  ج: ص:  >  >>