وما زادَ لا يَرْجِعُ به؛ لأنَّه مُتَطَوِّعٌ به. وإذا وَصَلَ المُكْتَرِى، رَفَعَ الأمْرَ إلى الحاكِمِ، فَفَعَلَ ما يَرَى الحَظَّ فيه، من بَيْعِ الجِمَالِ، فيُوَفِّى عن الجَمَّالِ ما لَزِمَهُ من الدَّيْنِ لِلْمُكْتَرِى أو لغيرِه، ويَحْفَظُ باقِى الثمنِ له. وإن رَأَى بَيْعَ بعضِها، وحِفْظَ بَاقِيها، والإِنْفَاقَ على الباقِى من ثَمَنِ ما باعَ، جازَ. وإن لم يَجِدْ حاكِمًا، أو عَجَزَ عن اسْتِدانةٍ، فله أن يُنْفِقَ عليها، ويُقِيمَ مُقَامَ الجَمَّالِ فيما يَلْزَمُه، فإن فَعَلَ ذلك مُتَبَرِّعًا به (٢٥)، لم يَرْجِعْ بشيءٍ. وإن نَوَى الرُّجُوعَ، وأشْهَدَ على ذلك، رَجَعَ به؛ لأنَّه حالُ ضَرُورَةٍ. وهذا أحدُ الوَجْهَيْنِ للشافِعِيِّ. وإن لم يُشْهِدْ، ونَوَى الرُّجُوعَ، ففى الرُّجُوعِ وَجْهانِ؛ أحدُهما، يَرْجِعُ به؛ لأنَّ تَرْكَ الجِمَالِ مع العِلْمِ بأنَّها لا بدَّ لها من نَفَقَةٍ، إذْنٌ في الإِنْفاقِ. والثاني، لا يَرْجِعُ به؛ لأنَّه يُثْبِتُ لِنَفْسِه حَقًّا على غيره. وكذلك إن لم يَجِدْ من يُشْهِدُه فأنْفَقَ مُحْتَسِبًا بالرُّجُوعِ. وقِيَاسُ المَذْهَبِ أنَّ له الرُّجُوعَ؛ لقوْلِنا: يَرْجِعُ بما أَنْفَقَ على الآبِقِ، وعلى عِيَالِ الغائِبِ وزَوْجَاتِه، والدَّابّةِ المَرْهُونةِ. ولو قَدَرَ على اسْتِئْذانِ الحاكِمِ، فأنْفَقَ من غيرِ اسْتِئْذانِه، وأشْهَدَ على ذلك، ففى رُجُوعِه وَجْهانِ أيضًا. وحُكْمُ مَوْتِ الجَمّالِ، حُكْمُ هَرَبِه. وقال أبو بكرٍ: مذهبُ أحمدَ، أنَّ المَوْتَ لا يَفْسَخُ الإِجَارَةَ، وله أن يَرْكَبَها، ولا يُسْرِفَ في عَلْفِها، ولا يُقَصِّرَ، ويَرْجِعَ بذلك في مالِ المُتَوَفَّى، فإن لم يكُنْ في يَدِ المُسْتَأْجِرِ ما يُنْفِقُه، لم يَجُزْ أن يَبِيعَ منها شَيْئًا؛ لأنَّ البَيْعَ إنَّما يجوزُ من المالِكِ، أو من نائِبِه، أَو ممَّن له وِلَايةٌ عليه.
فصل: قال أصْحابُنا: يَصِحُّ كِرَاءُ العُقْبَةِ. وهو مذهبُ الشافِعِيِّ، ومَعْناها: الرُّكُوبُ في بعضِ الطَّرِيقِ، يَرْكَبُ شيئًا ويَمْشِى شيئًا؛ لأنَّه إذا جازَ اكْتِراؤُها في الجَمِيعِ، جازَ اكْتِرَاؤُها في البعضِ. ولا بُدَّ من كَوْنِها مَعْلُومةً، إما أن يُقَدِّرَها بِفَرَاسِخَ مَعْلُومَةٍ، وإمَّا بالزَّمانِ، مثل أن يَرْكَبَ لَيْلًا ويَمْشِىَ نَهارًا، ويُعْتَبَرُ في هذا زَمَانُ السَّيْرِ دونَ زَمَانِ النُّزُولِ. وإن اتَّفَقَا على أن يَرْكَبَ يَوْمًا ويَمْشِىَ يومًا، جازَ. فإن اكْتَرَى عُقْبَةً، وأطْلَقَ، احْتَمَلَ أن يجوزَ، ويُحْمَلُ على العُرْفِ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَصِحَّ؛ لأنَّ