للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأحمدَ: ما مَعْنَى قولِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ بَيْنَه وبَيْنَ أَخِيهِ رَبْعَةٌ، فأَرَادَ بَيْعَها، فَلْيَعْرِضْها عَلَيْهِ". وقد جاءَ في بعضِ الحَدِيثِ: "وَلَا يَحِلُّ لَهُ إلَّا أنْ يَعْرِضَهَا عَلَيْهِ". إذا كانت الشُّفْعَةُ ثابِتَةً له؟ فقال: ما هو بِبَعِيدٍ مِن أن يكُونَ على ذلك، وأن لا تكونَ له الشُّفْعةُ. وهذا قولُ الحَكَمِ، والثَّوْرِيِّ، وأبى عُبَيْدٍ، وأبى خَيْثَمَةَ، وطائِفَةٍ من أهْلِ الحَدِيثِ. قال ابنُ المُنذِرِ: وقد اخْتَلَفَ فيه (٤) عن أحمدَ، فقال مَرَّةً: تَبْطُلُ شُفْعَتُه. وقال مَرَّةً: لا تَبْطُلُ. واحْتَجُّوا بقولِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ لَهُ شَرِكَةٌ في أَرْضٍ؛ رَبْعَةٍ، أو حَائِطٍ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أنْ يَبِيعَ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإنْ شَاءَ أخَذَ، وإنْ شَاءَ تَرَكَ" (٥). ومُحَالٌ أن يقولَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ومن شَاءَ تَرَكَ". فلا يكونُ لِتَرْكِه مَعْنًى. ومَفْهُومِ قولِه: "فَإنْ بَاعَ، وَلَمْ يُؤْذِنْهُ، فَهُوَ أحَقُّ بِهِ" أنَّه إذا باعَهُ بإذْنِه لا حَقَّ له. ولأنَّ الشُّفْعةَ تَثْبُتُ في مَوْضِع الاتِّفاقِ على خِلَافِ الأصْلِ، لكَوْنِه يأْخُذُ مِلْكَ المُشْتَرِى من غيرِ رِضَائِه، ويُجْبِرُه على المُعاوَضةِ به، لِدُخُولِه مع البائِعِ في العَقْدِ، الذي أساءَ فيه بإدْخَالِه الضَّرَرَ على شَرِيكِه، وتَرْكِه الإِحْسانَ إليه في عَرْضِه عليه. وهذا المَعْنَى معْدُومٌ ههُنا، فإنَّه قد عَرَضَه عليه، وامْتِنَاعُه من أخْذِه دَلِيلٌ على عَدَمِ الضَّرَرِ في حَقِّه بِبَيْعِه، وإن كان فيه ضَرَرٌ فهو أدْخَلَه على نَفْسِه، فلا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعةَ، كما لو أخَّرَ المُطَالبةَ بعدَ البَيْعِ. ووَجْهُ الأَوَّلِ، أنَّه إسْقَاطُ حَقٍّ قبلَ وُجُوبِه، فلم يَصِحَّ، كما لو أبْرَأهُ ممَّا يَجِبُ له، أو (٦) أسْقَطَتِ المَرْأَةُ صَدَاقَها قبلَ التَّزْوِيجِ. وأمَّا الخَبَرُ، فيَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ العَرْضَ عليه، لِيَبْتاعَ ذلك إن أرادَ، فتَخِفَّ عليه المُؤْنَةُ، ويَكْتَفِىَ بأخْذِ المُشْتَرِى الشِّقْصَ، لا إسْقَاطِ حَقِّه من شُفْعَتِه.

فصل: إذا تَوَكَّلَ الشَّفِيعُ في البَيْعِ، لم تَسْقُطْ شُفْعَتُه بذلك، سواءٌ كان وَكِيلَ البائِعِ أو المُشْتَرِى. ذَكَرَه الشَّرِيفُ، وأبو الخَطَّابِ. وهو ظاهِرُ مذهبِ الشافِعِىِّ. وقال


(٤) أي النقل.
(٥) تقدم تخريجه في صفحة ٤٣٥. عند أبي داود.
(٦) في ب زيادة: "لو".

<<  <  ج: ص:  >  >>