للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجْمَعَ أهلُ العلمِ على القِصاصِ في السِّنِّ؛ للآيةِ وحَدِيثِ الرُّبَيِّعِ (١)، ولأنَّ القِصاصَ فيها مُمْكِنٌ، لأنَّها مَحْدُودةٌ في نَفْسِها، فوَجَبَ فيها القِصاصُ كالعَيْنِ. وتُؤْخَذُ الصَّحيحةُ بالصَّحيحةِ، وتُؤْخَذُ المَكْسُورةُ بالصَّحيحةِ؛ لأنَّه يَأْخُذُ بعضَ حَقِّه، وهل يأخذُ مع القِصاصِ أرْشَ الباقِى؟ فيه وَجْهان، ذكَرْناهما فيما مَضَى.

فصل: ولا يُقْتَصُّ إلَّا من سِنِّ مَنْ أثْغَرَ، أي سَقَطَتْ رَوَاضِعُه، ثم نَبَتَتْ. يقال لمن سَقَطَتْ رَواضِعُه: ثُغِرَ، فهو مَثْغُورٌ. فإذا نَبَتَتْ قِيلَ: أثْغرَ. لُغَتان. وإن قُلِعَ سِنُّ مَنْ لم يُثْغِرْ، لم يُقْتَصَّ من الجانِى في الحالِ. وهذا قولُ مالكٍ، والشافعىِّ، وأصْحابِ الرَّأْى؛ لأنَّها تَعُودُ بحُكْمِ العادةِ، فلا يُقْتَصُّ منها كالشَّعْرِ، ثم إن عادَ بَدَلُ السِّنِّ في مَحَلِّها مثلُها على صِفَتِها، فلا شىءَ على الجانِى، كما لو قَلَعَ شَعْرةً ثم نَبَتَتْ. وإن عادَتْ مائلةً عن مَحَلِّها، أو مُتَغيِّرةً عن صِفَتِها، كان عليه حُكومةٌ؛ لأنَّها لو لم تَعُدْ ضَمِنَ السِّنَّ، فإذا عادت ناقصةً ضَمِنَ ما نَقَصَ. [وإن عادتْ قصيرةً، ضَمِنَ مَا نَقَصَ] (٢) منها بالحِسابِ، ففى ثُلُثِها ثُلثُ دِيَتِها، وفي رُبْعِها رُبْعُها، وعلى هذا. وإن عادَتْ والدَّمُ يَسِيلُ، ففيها حُكومةٌ؛ لأنَّه نَقْصٌ حَصَلَ بفِعْلِه. وإن مَضَى زَمَنُ عَوْدِها ولم تَعُدْ، سُئِلَ أهلُ العلمِ بالطِّبَّ، فإن قالوا: قد يُئِسَ من عَوْدِها. فالمَجْنِىُّ عليه بالخِيارِ بينَ القِصاصِ أو دِيَةِ السِّنِّ. فإن مات المَجْنِىُّ عليه قبلَ الإِيَاسِ من عَوْدِها، فلا قِصاصَ؛ لأنَّ الاسْتِحْقاقَ له غيرُ مُتَحَقِّقٍ، فيكونُ ذلك شُبْهةً في دَرْئِهِ، وتجبُ الدِّيَةُ؛ لأنَّ القَلْعَ مَوْجودٌ، والعَوْدَ مشكوكٌ فيه. ويَحْتَمِلُ أنَّه إذا مات قبلَ مَجِىءِ وَقْتِ عَوْدِها، أنْ (٣) لا يَجِبَ شيءٌ؛ لأنَّ العادةَ عَوْدُها، فأشْبَه ما لو حَلَقَ شَعْرَه فماتَ قبلَ نَباتِه. فأمَّا إن قَلَعَ سِنَّ مَنْ قد أثْغَرَ، وَجَبَ القِصاصُ له في الحالِ؛ لأنَّ الظاهِرَ عَدَمُ عَوْدِها. وهذا قولُ بعضِ أصْحابِ الشافعىِّ. وقال القاضي: يُسْأَلُ أهْلُ الخِبْرةِ، فإن قالوا: لا تَعُودُ. فله


(١) تقدم في صفحة ٥٣١.
(٢) سقط من: م. نقل نظر.
(٣) في ب: "أنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>