للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: فإن قَتَلَه الشَّرِيكُ الذي لم يَعْفُ عالِمًا بعَفْوِ شَرِيكِهِ، وسُقُوطِ القِصاصِ (١٢) به، فعليه القِصاصُ، سواءٌ حَكَمَ به الحاكمُ أو لم يَحْكُمْ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، وأبو ثَوْرٍ. وهو الظاهرُ من مذهبِ الشافعيِّ. وقيل: له قولٌ آخرُ، لا يَجِبُ القِصاصُ؛ لأنَّ له فيه شُبْهَةً، لوُقُوعِ الخِلافِ فيه (١٣). ولَنا، أنَّه قَتَلَ مَعْصُومًا مُكافِئًا له عَمْدًا، يَعْلَمُ أنَّه لا حَقَّ له فيه، فوَجَبَ عليه القِصاصُ، كما لو حَكَمَ بالعَفْوِ حاكمٌ، والاخْتِلافُ لا يُسْقِطُ القِصاصَ، فإنَّه لو قَتَلَ مُسْلِمًا بكافرٍ، قَتَلْناهُ به، مع الاخْتِلافِ في قَتْلِه. وأمَّا إن قَتَلَه قبلَ العِلْمِ بالعَفْوِ، فلا قِصاصَ عليه. وبه قال أبو حنيفةَ. وقال الشافعيُّ في أحدِ قَوْلَيْهِ: عليه القِصاصُ؛ لأنَّه قَتْلٌ عَمْدٌ عُدْوانٌ لمَن لا حَقَّ له في قَتْلِه. ولَنا، أنَّه قَتَلَه مُعْتَقِدًا ثُبُوتَ حَقِّه فيه، مع أنَّ الأصْلَ بَقاؤُه، فلم يَلْزَمْه قِصَاصٌ، كالوَكيلِ إذا قَتَلَ بعدَ عَفْوِ المُوَكِّلِ قبلَ عِلْمِه بعَفْوِه. ولا فَرْقَ بينَ أن يكونَ الحاكمُ قد حَكَمَ بالعَفْوِ أو لم يَحْكُمْ به؛ لأنَّ الشُّبْهةَ مَوْجودةٌ مع انْتِفاءِ العِلْمِ مَعْدومةٌ عندَ وُجُودِه. وقال الشافعيُّ: متى قَتَلَه بعدَ حُكْمِ الحاكمِ، لَزِمَه القِصاصُ، عَلِمَ بالعَفْوِ أو لم يَعْلَمْ. وقد بَيَّنَّا الفَرْقَ بينهما. ومتى حَكَمْنا عليه بوُجُوبِ الدِّيَةِ؛ إمَّا لكَوْنِه مَعْذُورًا، وإمَّا للعَفْوِ عن القِصاصِ، فإنَّه يَسْقُطُ عنه منها ما قابَلَ حَقَّه على القاتِلِ قِصاصًا، ويَجِبُ عليه الباقِي، فإن كان الوَلِيُّ عَفَا إلى غيرِ مالٍ، فالواجبُ لوَرَثَةِ القاتلِ، ولا شىءَ عليهم، وإن كان عَفَا إلى الدِّيَةِ، فالواجبُ لوَرَثةِ القاتلِ، وعليهم نَصِيبُ العافِي من الدِّيَةِ. وقيل فيه: إنَّ حَقَّ العافِي، من الدِّيَةِ على القاتلِ. ولا (١٤) يَصِحُّ؛ لأنَّ الحَقَّ لم يَبْقَ مُتَعَلِّقًا بعَيْنِه، وإنَّما الدِّيَةُ واجِبَةٌ في ذِمَّتِه، فلم تَنْتَقِلْ إلى القاتلِ، كما لو قَتَلَ غَرِيمَه.

فصل: فإن كان القاتلُ هو العافِي، فعليه القِصاصُ، سواءٌ عَفَا مُطْلقًا أو إلى مالٍ. وبهذا قال عِكْرِمَةُ، والثَّوْرِيُّ، ومالكٌ، والشافعيُّ، وابنُ المُنْذِرِ. ورُوِىَ عن الحسنِ:


(١٢) سقط من: الأصل.
(١٣) سقط من: م.
(١٤) سقطت الواو من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>