للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَمٍ، ولَا مَالٍ" (٧). قال التِّرْمِذِىُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وعن أبي سَعِيدٍ مثلُه (٨). فوَجْهُ الدِّلَالَةِ من وَجْهَيْنِ؛ أحَدِهما، أنَّه لم يُسَعِّرْ، وقد سَأَلُوه ذلك، ولو جازَ لأَجابَهُم إليه. الثانى، أنَّه عَلَّلَ بكَوْنِه مَظْلِمَةً، والظُّلْمُ حرامٌ، ولأنَّه مَالُه، فلم يَجُزْ مَنْعُه من بَيْعِه بما تَراضَى عليه المُتَبايِعَانِ، كما اتَّفَقَ الجَماعَةُ عليه. قال بعضُ أصْحابنا: التَّسْعِيرُ سَبَبُ الغَلَاءِ، لأنَّ الجَالِبينَ إذا بَلَغَهُم ذلك، لم يَقْدَمُوا بِسِلَعِهِمْ بَلَدًا يُكْرَهُونَ على بَيْعِها فيه بغيرِ ما يُرِيدُونَ، ومَنْ عندَه البضاعَةُ يَمْتَنِعُ من بَيْعِها، ويَكْتُمُها، ويَطْلُبُها أهْلُ الحاجَةِ إليها، فلا يَجِدُونَها إلَّا قَلِيلًا، فيَرْفعُونَ فى ثمَنِها لِيَصِلُوا إليها، فتَغْلُوا الأسْعارُ، ويَحْصُلُ الإِضْرارُ بالجَانِبَيْنِ، جانِبِ المُلَّاكِ فى مَنْعِهِمْ من بَيْعِ أمْلاكِهِمْ، وجانِب المُشْتَرِى فى مَنْعِه من الوُصُولِ إلى غَرَضِه، فيكونُ حَرَامًا. فأمَّا حَدِيثُ عمرَ، فقد رَوَى فيه سعيدٌ، والشَّافِعِىُّ، أنَّ عمرَ لَمَّا رَجَعَ حاسَبَ نَفْسَهُ، ثمَّ أتَى حَاطِبًا فى دَارِه، فقال: إنَّ الذى قلتُ لك ليس بِعَزِيمَةٍ مِنِّى ولا قَضَاءٍ، وإنَّما هو شىءٌ أرَدْتُ به الخَيْرَ لأَهْلِ البَلَدِ، فحيثُ شِئْتَ فَبِعْ كيف شِئْتَ. وهذا رُجوعٌ إلى ما قُلْنا. وما ذَكَرُوهُ من الضَّرَرِ مَوْجُودٌ فيما إذا (٩) باعَ فى بَيْتِه، ولا يُمْنَعُ منه.

٧٦٤ - مسألة؛ قال: (ونُهِىَ عَنْ تَلَقِّى الرُّكْبَانِ)

فإن تُلُقُّوا، واشْتُرِىَ مِنْهُمْ، فَهُمْ بالْخِيَارِ إذَا دَخَلُوا السُّوقَ، وعَرَفُوا أنَّهُمْ (١) قَدْ غُبِنُوا إنْ أَحَبُّوا أنْ يَفْسَخُوا البَيْعَ فَسَخُوا. رُوِىَ أنَّهم كانوا يَتَلَقَّوْن الأَجْلَابَ،


(٧) أخرجه أبو داود، فى: باب فى التسعير، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٤٤. والترمذى، فى: باب ما جاء فى التسعير، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى ٦/ ٥٣. وابن ماجه، فى: باب من كره أن. يسعر، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٤١، ٧٤٢.
كما أخرجه الدارمى، فى: باب فى النهى عن أن يسعر فى المسلمين، من كتاب البيوع. سنن الدارمى
٢/ ٢٤٩. والإمام أحمد، فى: المسند ٣/ ١٥٦، ٢٨٦.
(٨) أخرجه ابن ماجه، فى: باب من كره أن يسعر، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٤٢. والإمام أحمد، فى: المسند ٣/ ٨٥.
(٩) سقط من: م.
(١) فى م: "عليهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>