للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسعودٍ. ثم يَحْتَمِلُ أنَّه كَنَى بذلك عن الوَطْءِ. وأمَّا النظرُ إلى سائرِ البَدَنِ فلا يَنْشُرُ حُرْمةً. وقال بعضُ أصحابِنا: لا فَرْقَ بين النَّظَرِ إلى الفَرْجِ وسائرِ البَدَنِ لشَهْوةٍ. والصحيحُ، خِلافُ هذا؛ فإنَّ غيرَ الفَرْجِ لا يُقاسُ عليه، لما بينهما من الفَرْقِ، ولا خِلافَ نَعْلَمُه فى أَنَّ النَّظرَ إلى الوَجْهِ لا يُثْبِتُ الحُرْمةَ، فكذلك غيرُه، ولا خِلافَ أيضًا فى أَنَّ النَّظرَ إذا وَقَعَ من غير شَهْوةٍ لا ينشرُ حُرْمةً؛ لأنَّ اللَّمْسَ الذى هو أبْلَغُ منه (٤٤) لا يُؤَثِّرُ إذا كان لغيرِ شَهْوةٍ، فالنَّظَرُ أَوْلَى. ومَوْضِعُ الخِلافِ فى اللَّمْس والنَّظرِ فى من بَلَغَتْ سِنَّا يُمْكِنُ الاسْتِمْتاعُ منها، كابْنةِ تِسْعٍ فما زاد، فأمَّا الطِّفْلةُ فلا يَثْبُتُ فيها ذلك. وقد رُوِىَ عن أحمدَ، فى بنتِ سَبْعٍ: إذا قَبَّلَها حَرُمتْ عليه أُمُّها. قال القاضى: هذا عندى مَحْمولٌ على السِّنِّ الذى تُوجَدُ معه الشَّهْوةُ.

فصل: فإن نَظَرَتِ المرأةُ إلى فَرْجِ رَجُلٍ (٤٥) لشَهْوةٍ، فحكمُه فى التَّحْريمِ حكمُ نَظَرِه إليها. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّه مَعْنًى يُوجِبُ التَّحْريمَ، فاسْتَوَى فيه الرجلُ والمرأةُ كالجِماعِ. وكذلك ينْبَغِى أن يكونَ حكمُ لَمْسِها له، وقُبْلَتِها إيَّاه لشَهْوةٍ؛ لما ذكرْنا.

فصل: فأمَّا الخَلْوةُ بالمرأةِ، فالصَّحيحُ أنَّها لا تنْشُرُ حُرْمةً. وقد رُوِىَ عن أحمدَ: إذا خَلا بالمرأةِ، وَجَبَ الصَّدَاقُ والعِدَّةُ، ولا يَحِلُّ له أن يتزَوَّجَ أُمَّها وابْنتَها. قال القاضى: هذا محمولٌ على أنَّه حَصَلَ مع الخَلْوةِ مُباشَرةٌ، فيُخَرَّجُ كلامُه على إحْدَى الرِّوايتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذكرناهما، فأمَّا مع خُلُوِّه من ذلك، فلا يُؤثِّرُ فى تَحْريمِ الرَّبِيبَةِ؛ لما فى ذلك من مُخالفةِ قولِه سبحانه: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}. وقوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}. وأمَّا الخَلْوةُ بأجْنَبِيَّة، أو أمَتِه، فلا تَنْشُرُ تَحْرِيمًا. لا نعلمُ فى ذلك خِلافًا. كلُّ مَن حُرِّمَ نكاحُها حُرِّمَ وَطْؤُها بمِلْكِ اليمينِ؛ لأنَّه إذا حُرِّمَ العَقْدُ المُراد للوَطْءِ، فالوَطْءُ أَوْلَى.


(٤٤) سقط من: ب.
(٤٥) فى ب: "الرجل".

<<  <  ج: ص:  >  >>