للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: إذا شَرَطَ في العُمْرَى أنَّها لِلْمُعْمَرِ وعَقِبِه، فهذا تَأْكِيدٌ لِحُكْمِها، وتكون لِلْمُعْمَرِ ووَرَثَتِه. وهذا قول جَمِيعِ القائِلِينَ بها. وإذا أطْلَقَها فهى لِلمُعْمَرِ ووَرَثَتِه أيضًا؛ لأنَّها تَمْلِيكٌ لِلرَّقَبةِ، فأشْبَهَتِ الهِبَةَ. فإن شَرَطَ أنَّك إذا مِتَّ فهى لِى. فعن أحمدَ رِوَايتانِ؛ إحداهما، صِحّةُ العَقْدِ والشَّرْطِ، ومتى ماتَ المُعْمَر رَجَعَتْ إلى المُعْمِرِ. وبه قال القاسِمُ بن محمدٍ، وزَيْدُ بن قسيطٍ (١٧)، والزُّهْرِيُّ، ومالِكٌ، وأبو سَلَمةَ بن عبد الرَّحْمنِ، وابنُ أبي ذِئْبٍ (١٨)، ومالِكٌ، وأبو ثَوْرٍ، وداوُدُ. وهو أحدُ قَوْلَىِ الشافِعِيِّ؛ لما رَوَى جابِرٌ، قال: إنَّما العُمْرَى التي أجازَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يقول: هي لكَ ولِعَقِبِكَ. فأمَّا إذا قال: هي لكَ ما عِشْتَ. فإنها تَرْجِعُ إلى صاحِبِها. مُتَّفَقٌ عليه (١٩). ورَوَى مالِكٌ، في "مُوَطَّئِه" (٢٠)، عن جابِرٍ، أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أيُّمَا رَجُلٍ أعْمرَ عُمْرَى لَهُ، ولِعَقِبِه، فَإنَّها لِلَّذِى أُعْطِيَها، لا تَرْجِعُ إلَى الَّذِى أعْطَاهَا". لأنَّه أعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فيه المَوارِيثُ. وقال القاسِمُ بن محمدٍ: ما أدْرَكْتُ الناسَ إلَّا على شُرُوطِهِم في أمْوالِهِم. والرواية الثانية، أنَّها تكون لِلمُعْمَرِ ولوَرَثَتِه، ويَسْقُطُ الشَّرْطُ. وهذا قول الشافِعِيِّ الجَدِيدِ، وقول أبي حنيفةَ. وهو ظاهرُ المذْهَبِ. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوَايةِ أبي طَالبٍ؛ للأحادِيثِ المُطْلَقةِ التي ذَكَرْناها، وقولِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا رُقْبَى، فَمَن أُرْقِبَ شَيْئًا، فَهُوَ لَهُ فِي حَيَاتِه ومَوْتِهِ". وقال


(١٧) في أ، م: "زيد". وانظر: الإِكمال ٧/ ٣٣٩.
(١٨) في الأصل: "ذؤيب".
(١٩) أخرجه مسلم، في: باب العمرى، من كتاب الهبات. صحيح مسلم ٣/ ١٢٤٦.
كما أخرجه أبو داود، في: باب من قال فيه: ولعقبه، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٦٤. والإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٢٩٤.
ولم نجده في البخاري: انظر الإِرواء ٦/ ٥٥، واللؤلؤ والمرجان ٢/ ١٨٦.
(٢٠) في: باب القضاء في العمرى، من كتاب الأقضية. الموطأ ٢/ ٧٥٦.
كما أخرجه مسلم، في: باب العمرى، من كتاب الهبات، صحيح مسلم ٣/ ١٢٤٥. وأبو داود، في: باب من قال فيه: ولعقبه، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٦٤. والترمذي، في: باب ما جاء في العمرى، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذي ٦/ ٩٩. والنسائي، في: باب ذكر الاختلاف على الزهري فيه، من كتاب العمرى. المجتبى ٦/ ٢٣٣. والإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٣٦٠، ٣٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>