للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي يوسفَ، وأحدُ قَوْلَىِ الشافِعِيِّ، إلَّا أنَّ أبا يوسفَ قال: يَأْخُذُ به كَفِيلًا؛ لأنَّ البَيّنةَ أثْبَتَتْه بصِفَاتِه، كما ثَبَتَ في الذِّمّةِ بِوَصْفِه في السَّلَمِ. وقال أبو حنيفةَ، ومحمدٌ: لا يَجِبُ تَسْلِيمُه؛ لأنَّهم لا يَشْهَدُونَ على عَيْنهِ، وإنما يَشْهَدُونَ بالصِّفاتِ، وقد تَتَّفِقُ الصِّفاتُ مع اخْتِلَافِ الأعْيانِ، ويُفَارِقُ المُسْلَمَ فيه، فإنَّ الواجِبَ أقَلُّ ما يُوجَدُ منه (٣٨) الصِّفَةُ، وهو غير مُعَيَّنٍ. ولَنا، أنَّه يُقْبَلُ كِتَابُ الحاكِمِ إلى الحاكِمِ على شَخْصٍ غائِبٍ، ويُؤْخَذُ المَحْكُومُ عليه بالحَقِّ، وليس ثَمَّ شَهَادَةٌ على عَيْنٍ، وإنَّما يُؤْخَذُ المَحْكُومُ عليه باسْمِه ونَسَبِه وصِفَتِه، فكذا ههُنا، إذا ثَبَتَ وُجُوبُ تَسْلِيمِه, فإنَّ الحاكِمَ الذي يُسَلِّمُه يَخْتِمُ في عُنُقِه خَيْطًا ضَيِّقًا لا يَخْرُجُ من رَأْسِه، ويَدْفَعُه إلي المُدَّعِى أو وَكِيلِه، لِيَحْمِلَه إلى الحاكِمِ الكاتِبِ، لِيُشْهِدَ الشُّهُودَ على عَيْنِه، فإن شَهِدُوا بِعَيْنِه، سُلِّمَ إلى مُدَّعِيه، وإن لم يَشْهَدُوا وَجَبَ (٣٩) رَدُّه إلى الحاكِمِ الأَوّلِ، ويكونُ في ضَمَانِ الذي أخَذَه؛ لأنَّه أخَذَه بغيرِ اسْتِحْقاقٍ.

٩٤٦ - مسألة؛ قال: (وَإنْ كَانَ الْتَقَطَها قَبْلَ ذلِكَ، فَرَدَّهَا لعِلَّةِ الجُعْلِ. لَمْ يَجُزْ لَهُ أخْذُهُ)

إنَّما كان كذلك؛ لأنَّه إذا الْتَقَطَها قبلَ أن يَبْلُغَه الجُعْلُ، فقد الْتَقَطَها بغيرِ عِوَضٍ، وعَمِلَ في مالِ غيرِه بغيرِ جُعْلٍ جُعِلَ، فلا يَسْتَحِقُّ شيئا، كما لو الْتَقَطَها ولم يَجْعَلْ رَبُّها فيها شيئا، وفارَقَ المُلْتَقِطَ بعدَ بُلُوغِه الجُعْلَ؛ فإنَّه إنَّما بَذَلَ مَنَافِعَه بِعوَضٍ جُعِلَ له، فاسْتَحَقَّه، كالأجِيرِ إذا عَمِلَ بعدَ العَقْدِ. وسواءٌ كان الْتِقَاطُه لها بعد الجُعْلِ أو قبلَه؛ لما ذَكَرْنَا. ولا يَسْتَحِقُّ أخْذَ الجُعْلِ بِرَدِّها؛ لأنَّ الرَّدَّ واجِبٌ عليه من غيرِ عِوَضٍ، فلم يجُزْ أخْذُ العِوَضِ عن الواجِبِ، كسائِر الواجِباتِ. وإنَّما يَأْخُذُه المُلْتَقِطُ، في مَوْضِعٍ يجوزُ له أخْذُه عِوَضًا عن الالْتِقاطِ المُبَاحِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإن مُلْتَقِطَها قبلَ


(٣٨) في الأصل: "فيه".
(٣٩) في م: "أوجب".

<<  <  ج: ص:  >  >>