للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يُوجَدْ فيه هاهُنا ما يقْتَضِى نَقْضَ (٣١) الأمانِ فيه، فبَقِىَ على ما كان عليه. ولو أخذَه معَهُ إلى دارِ الحرْبِ، انْتَقَضَ (٣٢) الأمانُ فيه، كما يَنْتَقِضُ فى نفسِه، لوُجُودِ المُبْطِلِ منهما. فإذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ صاحبَه إنْ طلَبَه بُعِثَ به (٣١) إليه، وإنْ تَصَرَّفَ فيه ببَيْعٍ أو هِبَةٍ أو غَيْرِهما، صَحَّ تَصَرُّفُه. وإنْ ماتَ فى دارِ الحَرْبِ انْتَقَلَ إلى وارِثِه، ولم يبْطُل الأمانُ فيه. وقال أبو حنيفةَ: يبْطُلُ فيه. وهو قولٌ للشافِعِىِّ (٣٣)؛ لأنَّه قد صارَ لوارِثِه، ولم يَعْقِدْ فيه أمانًا، فوجَبَ أنْ يبْطُلَ فيه، كسائِرِ أمْوالِه. ولَنا، أنَّ الأمانَ حَقٌّ له لازِمٌ متَعَلِّقٌ بالمالِ، فإذا انْتَقلَ إلى الوارِثِ، انْتقَلَ بحَقِّه (٣٤)، كسائِرِ الحُقوقِ؛ من الرَّهْنِ، والضَّمِينِ، والشُّفْعَةِ. وهذا اخْتيارُ المُزَنِىِّ. ولأنَّه مالٌ له أمانٌ، فينْتَقِلُ إلى وارثِه مع بَقاءِ الأمانِ فيه، كالمالِ الذى مع مُضارِبِه. وإنْ لم يَكُنْ له وارِثٌ، صارَ فيْئًا لبيتِ المالِ. فإنْ كان له وارِثٌ فى دارِ الإسلامِ، فقال القاضى: لا يَرِثُه، لاخْتلافِ الدَّارَيْن. والأوْلَى أنَّه يرِثُه؛ لأنَّ مِلَّتَهما واحِدَةً، فيرِثُه كالمسلمين، وإنْ ماتَ المُسْتأْمَنُ فى دارِ الإِسلامِ، فهو كما لو ماتَ فى دارِ الحَرْبِ، سواءٌ؛ لأنَّ المُسْتأمَنَ حَرْبِىٌّ تَجْرِى عليه أحْكامُهم. وإنْ رجَعَ إلى دارِ (٣٥) الحَرْبِ، فسُبِىَ واستُرِقَّ، فقال القاضى: يكونُ مالُه مَوْقُوفًا حتَى يُعْلَمَ آخرُ أمرِه، بمَوْتٍ أو غيرِه، فإنْ مات كان فيئًا؛ لأنَّ الرقيقَ لا يُورَثُ، وإنْ عَتَقَ كان له، وإنْ لم يُسْتَرَقَّ، ولكن مَنَّ عليه الإمامُ، أو فَاداهُ، فمالُه له، وإنْ قَتَلَه، فمالُه لوَرَثَتِه، وإنْ لم يُسْبَ، ولكن دخلَ دارَ الإِسلامِ بغيرِ أمانٍ، ليأْخُذَ مالَه، جازَ قَتْلُه وسَبْيُه؛ لأنَّ ثُبوتَ الأمانِ لمالِه لا يُثْبِتُ الأمانَ له، كما لو كان مالُه وَدِيعةً بدارِ الإِسلامِ وهو مقيمٌ بدارِ الحَرْبِ.

فصل: وإذا سَرَقَ المُسْتأمَنُ فى دارِ الإِسلامِ، أو قَتَلَ، أو غَصَبَ، ثم عادَ إلى وطَنِه [فى دارِ الحَرْبِ] (٣٦)، ثم خَرَج مُسْتأْمِنًا مرَّةً ثانِيَةً، اسْتُوفِىَ منه ما لَزِمَه فى أمانِه


(٣١) سقط من: م.
(٣٢) فى م: "لنقض".
(٣٣) فى م: "الشافعى".
(٣٤) فى م: "لحقه".
(٣٥) سقط من: الأصل، م.
(٣٦) سقط من: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>