مالكًا قال: إذا لم تَكُنْ مَدْخولًا بها قُبِلَ منه، إذا أراد واحدةً أو اثْنتَيْنِ، وحُجَّتُهم أَنَّ ذلك يَقْتضِى زوالَ سُلْطانِه عنها، ولا يَكونُ ذلك إلَّا بثَلاثٍ. وفى قولِ مالكٍ أَنَّ غيرَ المدخولِ بها يَزولُ سُلْطانُه عنها بواحدةٍ، فاكْتُفِىَ بها. ولَنا، أنَّها لم تُطَلِّقْ بلفظِ الثَّلاثِ، ولا نَوَتْ ذلك، فلم تَطْلُقْ ثلاثًا، كما لو أتَى الزَّوجُ بالكنايةِ الخَفِيَّةِ.
فصل: وهذا إذا لم تَنْوِ أكثرَ مِن واحدةٍ، فإن نَوَتْ أكثرَ مِن واحدةٍ، وقعَ ما نَوَتْ؛ لأنَّها تَمْلكُ الثَّلاثَ بالتَّصْريحِ، فتَمْلِكُها بالكنايةِ، كالزَّوجِ. وهكذا إن أتَتْ بشىءٍ من الكناياتِ، فحُكْمُها فيها حُكْمُ الزَّوجِ، إن كانت ممَّا يَقعُ بها الثَّلاثُ مِنَ الزَّوجِ، وقَعَ بها الثَّلاثُ إذا أتَتْ بها، وإن كَانتْ من الكناياتِ الخَفِيَّةِ، نحوَ قولِها: لا يَدخُلْ علىَّ. ونحوَها، وقعَ ما نَوَتْ. قال أحمدُ: إذا قال لها: أمْرُك بيدِك. فقالت: لا يَدخُلْ علىَّ إلَّا، بإذْنٍ. تَنْوِى فى ذلك، إن قالت: واحدةً، فواحدةٌ، وإن قالت: أردتُ أن أغيظَه. قُبِلَ منها. يعنى لا يَقعُ شىءٌ. وكذلك لو جعلَ أمْرَها فى يَد أجْنَبىٍّ، فأتَى بهذه الكناياتِ، لا يَقعُ شىءٌ حتى يَنْوِىَ الوكيلُ الطَّلاقَ. ثم إن طلَّقَ بلفظٍ صريحٍ ثلاثًا، أو بكنايةٍ ظاهرةٍ. طَلُقَتْ ثلاثًا، وإن كان بكنايةٍ خَفِيَّةٍ، وقعَ ما نَوَاه.
فصل: وقولُه: أمْرُكِ بيَدِك. وقولُه: اخْتارِى نفسَكِ. كنايةٌ فى حقِّ الزَّوْجِ، يَفتقِرُ إلى نِيَّةٍ أو دَلالةِ حالٍ، كما فى سائرِ الكناياتِ، فإن عُدِمَ لم يَقَعْ به طلاقٌ؛ لأنَّه ليس بصريحٍ، وإنَّما هو كنايةٌ، فيَفتقِرُ إلى ما يَفتقِرُ إليه سائرُ الكناياتِ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشَّافعىُّ. وقال مالكٌ: لا يفتقِرُ إلى نِيَّةٍ؛ لأنَّه مِن الكناياتِ الظَّاهرةِ. وقد سبقَ الكلامُ معه فيها. وهو أيضًا كنايةٌ فى حقِّ المرأةِ، إن قَبِلَته بلفظِ الكنايةِ. وبهذا قال الشَّافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَفْتقِرُ وُقوعُ الطَّلاقِ إلى نِيَّتِها، إذا نَوَى الزَّوجُ؛ لأنَّ الزَّوجَ علَّقَ الطَّلاقَ بفعلٍ مِنْ جِهَتِها، فلم يَفْتقِرْ إلى نِيَّتِها، كما لو قال: إن تَكلَّمْتِ فأنتِ طالقٌ. فتكلَّمَتْ، وقال: لا يَقعُ إلَّا واحدةٌ بائنٌ. وإن نَوَتْ ثلاثًا؛ لأنَّ ذلك تخْيِيرٌ، والتَّخْيِيرُ لا يَدْخلُه عَدَدٌ، كخيارِ المُعْتَقَةِ. ولَنا، أنَّها مُوقِعَةٌ للطَّلاقِ بلفظِ الكنايةِ، فافْتَقرَ إلى نِيَّتِها، كالزَّوجِ. وعلى أنَّه يَقعُ الثَّلاثُ إذا نَوَتْ، أَنَّ اللَّفظَ يَحْتمِلُ