للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه من أهْلِ العِلْمِ، على أنَّ اسْتِئْجارَ المنَازِلِ والدَّوَابِّ جائِزٌ. ولا تَجُوزُ إجَارَتُها إلَّا في مُدَّةٍ مُعَيَّنةٍ مَعْلُومةٍ، ولا بدَّ من مُشَاهَدَتِه وتَحْدِيدِه، فإنَّه لا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بذلك، ولا يَجُوزُ إطْلَاقُه، ولا وَصْفُه. وبهذا قال الشافِعِىُّ. وقال أبو ثَوْرٍ: إذا ضُبِطَ بالصِّفَةِ، أجْزَأَ. وقال أصْحابُ الرَّأْى: له خِيَارُ الرُّؤْيةِ، كقَوْلِهم في البَيْعِ. ويَتَخَرَّجُ لنا مثلُ ذلك بِنَاءً على البَيْعِ، والخِلَافُ ههُنا مَبْنِىٌّ على الخِلَافِ في البَيْعِ، ولم يَكْتَفِ بالصِّفَةِ؛ لأنَّه لا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا (٣) بالرُّؤْيةِ، كَما لا يُعْلَمُ في البَيْعِ إلَّا بذلك. فإن كان دَارًا أو حَمّامًا، احْتاجَ إلى مُشَاهَدَةِ البُيُوتِ؛ لأنَّ الغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِصِغَرِها وكِبَرِها ومَرَافِقِها، ومُشَاهَدَةِ قَدْرِ الحَمَّامِ ليَعْلَمَ كِبَرَها من صِغَرِها، ومَعْرِفَةِ ماءِ الحَمّامِ إمَّا من قَنَاةٍ أو مِن (٤) بِئْرٍ، فإن كان من بِئْرٍ احْتَاج إلى مُشَاهَدَتِها؛ لِيَعْلَمَ عُمْقَها ومُؤْنَةَ اسْتِسْقاءِ الماءِ منها، ومُشَاهَدَةِ الأتُونِ، ومُطَّرَحِ الرَّمادِ، ومَوْضِعِ الزِّبْلِ، ومَصْرِفِ ماءِ الحَمَّامِ، فمتى أخَلَّ بهذا أو بعضِه، لم تَصِحَّ؛ لِلْجَهالةِ بما يَخْتَلِفُ الغَرَضُ به.

فصل: وكَرِهَ أحمدُ كِرَاءَ الحَمّامِ. وسُئِلَ عن كِرَائِه، فقال: أخْشَى. فقِيلَ له: إذا شَرَطَ على المُكْتَرِى أن لا يَدْخُلَه أحَدٌ بغيرِ إزَارٍ. فقال: ومَن يَضْبِطُ هذا؟ وكأنَّه لم يُعْجِبْه. قال ابنُ حامدٍ: هذا على طَرِيقِ الكَرَاهةِ تَنْزِيهًا لا تَحْرِيمًا؛ لأنَّه تَبْدُو فيه عَوْرَاتُ الناسِ، فتَحْصُلُ الإِجَارَةُ على فِعْلٍ مَحْظُورٍ، فكَرِهَهُ لذلك، فأما العَقْدُ فصَحِيحٌ. وهذا قول أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه من أهْلِ العِلْمِ، أنَّ كِرَاءَ الحَمّامِ جائِزٌ، إذا حَدَّدَه، وذَكَرَ جَمِيعَ آلَتِه، شُهُورًا مُسَمَّاةً. وهذا قولُ مالكٍ، والشافِعِىِّ، وأبى ثَوْرٍ، وأصْحابِ الرَّأْى؛ لأنَّ المُكْتَرِىَ إنَّما يَأْخُذُ الأجْرَ عِوَضًا عن دُخُولِ الحَمّامِ والاغْتِسَالِ بمائِه، وأحْوالُ المُسْلِمينَ


(٣) سقط من: م.
(٤) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>