للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأسَه ثلاثًا. رواه يَحْيَى بنُ آدَم، وخالَفَه وَكِيع، فقال: تَوضَّأ ثلاثًا. فقط (٢٢). والصحيحُ عن عُثْمان، أنَّه توَضَّأ ثلاثًا، ومَسَح برَأْسِه (٢٣). ولم يَذْكُرْ عددًا. هكذا رَواه البخاريُّ ومُسْلِم. قال أبو داود: وهو الصحيحُ. ومَنْ رُوِىَ عنه ذلك سِوَى عُثْمان، فلم يَصِحَّ، فإنَّهم الذين رَوَوْا (٢٤) أحاديثَنا وهى صحاحٌ، فَيلزَمُ من ذلك ضَعْفُ ما خالَفَها، والأحاديثُ التي ذكرُوا فيها أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- توضَّأَ ثلاثًا ثلاثًا. أرادُوا بها ما سِوَى المَسْحِ؛ فإن رُوَاتَها حين فَصَّلُوا (٢٥) قالوا: ومَسَحَ برَأْسِه مرةً واحدةً. والتَّفْصِيلُ يُحْكَمُ به على الإِجمالِ، ويكون تفسيرًا له، ولا يُعارَضُ به، كالخاصِّ مع العامِّ، وقياسُهم منقوضٌ بالتَّيَمُّمِ.

فإن قِيل: يجوزُ أن يكون النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قد مَسَحَ مرةً ليُبَيِّنَ الجوازَ، ومَسَحَ ثلاثًا ثلاثًا (٢٦) ليُبَيِّنَ الأفْضَلَ (٢٧)، كما فَعَلَ في الغَسْلِ، فَنُقِلَ الأَمْرانِ نَقْلًا صَحِيحًا مِن غير تَعارُضٍ بين الرواياتِ. قلْنا: قولُ الرَّاوى: هذا طُهُور رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. يدُلُّ على أنَّه طُهُورُه على الدَّوَامِ؛ ولأنَّ الصحابَة، رضىَ اللَّه عنهم، إنَّما ذكرُوا صِفَةَ وُضُوءِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لتَعْرِيفِ سائِلِهم ومَنْ حَضَرَهم كَيْفِّيةَ وُضُوئهِ في دَوَامِه، فلو شاهَدُوا وُضُوءَه علَى صِفَةٍ أُخْرَى لم يُطْلِقُوا هذا الإِطْلاقَ الذي يُفْهَمُ منه أنَّهم لم يُشَاهِدُوا غَيْرَه؛ لأنَّ ذلك يكون تَدْلِيسًا وإيهامًا بغَيرِ الصَّوابِ، فلا يُظَنُّ ذلك بهم، وتَعَيَّنَ حَمْلُ حالِ الرَّاوِى لغيرِ الصحيحِ علَى الغَلَطِ لا غيرُ، ولأنَّ الرُّواةَ إذا رَوَوْا حديثًا واحدًا عن شخصٍ واحدٍ، فاتَّفَقَ الحُفَّاظُ منهم على صفةٍ، وخالَفَهُم فيها واحدٌ، حَكَمُوا عليه بالغَلَطِ، وإن كان ثِقةً حافِظًا، فكيفَ إذَا لم يَكُنْ مَعْرُوفًا بذلك!

فصل: إذا وَصلَ الماءُ إلى بَشَرةِ الرأسِ، ولم يَمْسَحْ علَى الشَّعْرِ، لم يُجْزِئْه، لأنَّ


(٢٢) آخر كلام أبي داود. وهو بمعناه في الأخير وليس بلفظه.
(٢٣) في م: "رأسه".
(٢٤) في م: "رأووا".
(٢٥) في م: "فصلوها".
(٢٦) سقط من: م.
(٢٧) في الأصل: "الفضل".

<<  <  ج: ص:  >  >>