للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُحْكَمَ بإسْلَامِه، تَغْلِيبًا للإِسلامِ، واحْتَمَلَ أن يُحْكَمَ بِكُفْرِه، تَغْلِيبًا لِلدَّارِ والأَكْثَرِ. وهذا التَّفْصِيلُ كلُّه مذهبُ الشافِعِيِّ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ عَوَامُّ أهْلِ العِلْمِ، على أنَّ الطِّفْلَ إذا وُجِدَ في بِلادِ المسلمين، مَيِّتًا في أيِّ مكانٍ وُجِدَ، أنَّ غُسْلَه ودَفْنَهُ في مَقَابِرِ المسلمين يَجِبُ، وقد مَنَعُوا أن يُدْفَنَ أطْفَالُ المشركين في مَقَابِرِ المسلمين. قال: وإذا وُجِدَ لَقِيطٌ في قَرْيةٍ ليس فها إلَّا مُشْرِكٌ، فهو على ظاهِرِ ما حَكَمُوا به أنَّه كافِرٌ. هذا قولُ أصْحابِ (٥) الشافِعِيِّ وأصْحابِ الرَّأْىِ.

فصل: وفي المَوْضِعِ الذي حَكَمْنا بإسْلَامِه، إنَّما يَثْبُتُ ذلك ظاهِرًا لا يَقِينًا؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أن يكونَ وَلَدَ كافِرٍ، فلو أقَامَ كافِرٌ بَيِّنةً أنَّه وَلَدُه وُلِدَ على فِرَاشِه، حَكَمْنا له به. وإذا بَلَغَ اللَّقِيطُ حَدًّا يَصِحُّ فيه إسْلَامُه وردَّتُه، فوَصَفَ الإِسْلَامَ فهو مُسْلِمٌ، سواءٌ كان ممَّن حُكِمَ بإسْلَامِه أو كُفْرِه، وإن وَصَفَ الكُفْرَ، وهو ممَّن حُكِمَ بإسْلَامِه، فهو مُرْتَدٌّ لا يُقَرُّ على كُفْرِه. وبهذا قال أبو حنيفةَ. وذَكَرَ القاضي وَجْهًا، أنَّه يُقَرُّ على كُفرِه. وهو مَنْصُوصُ الشافِعِيِّ؛ لأنَّ قَوْلَه أقْوَى من ظاهِرِ الدَّارِ. وهذا وَجْهٌ مُظْلِمٌ؛ لأنَّ دَلِيلَ الإِسْلَامِ وُجِدَ عَرِيًّا عن المُعَارِضِ، وثَبَتَ حُكْمُه، واسْتَقَرَّ، فلم يَجُزْ إزَالةُ حُكْمِه بقَوْله، كما لو كان ابنَ مُسْلِمٍ. وقوله لا دَلَالَةَ فيه أصْلًا؛ لأنَّه لا يَعْرِفُ في الحال مَنْ كان أبُوه، ولا ما كان دِينُه، وإنَّما يقولُ هذا من تلْقَاءِ نَفْسِه، فعلى هذا إذا بَلَغَ اسْتُتِيبَ ثَلَاثًا، فإن تابَ وإلَّا قُتِلَ. فأمَّا على قَوْلِهم، فقال القاضي: إن وَصَفَ كُفْرًا، يُقَرُّ أهْلُه عليه بالجزْيةِ، عُقِدَتْ له الذِّمَّةُ، فإن امْتَنَع من الْتِزَامِها، أو وَصَفَ كُفْرًا لا يُقَرُّ أهْلُه عليه، أُلْحِقَ بمَأْمَنِه. وهذا بَعِيدٌ جِدًّا؛ فإنَّ هذا اللَّقِيطَ لا يَخْلُو من أن يكونَ ابنَ وَثَنِيٍّ حَرْبِيٍّ، فهو حاصِلٌ في يَدِ المسلمين بغيرِ عُهْدَةٍ ولا عَقْدٍ، فيكونُ لواجِدِه، ويَصِيرُ مُسْلِمًا بإسلامِ سَابِيهِ، أو يكونَ ابنَ ذِمّيَّيْنِ، أو أحَدهما ذِمِّيّ، فلا يُقَرُّ على الانْتِقالِ إلى غيرِ دِينِ أهْلِ الكِتَابِ، أو يكونَ ابنَ مُسْلِمٍ أو ابنَ مُسْلِمَيْنِ، فيكون


(٥) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>