أحدهما، تَصِحُّ طهارتهُ. وهو قولُ الشافعىِّ، وإسحاق، وابن الْمُنْذر، وأصحابِ الرَّأْىِ؛ لأن فِعْلَ الطهارةِ وماءَها لا يتعلَّقُ بشيءٍ من ذلك، أشْبَهَ الطهارةَ في الدارِ المَغْصُوبة.
والثانى، لا يصِحُّ. اخْتارَه أبو بكر؛ لأنه اسْتَعْمَلَ المُحَرَّمَ في العبادة، فلم يصِحَّ، كالصلاةِ في الدارِ المَغْصُوبةِ.
والأوَّلُ أصَحُّ، ويُفارِقُ هذا الصلاةَ في الدارِ المغصوبةِ؛ لأن أفعالَ الصلاةِ من القيام والقعود والركوع والسجود، في الدار المغصوبة، مُحَرَّم؛ لكَوْنِه تَصَرُّفًا في مِلْكِ غيرِه بغير إذْنِه، وشُغْلًا له، وأفعالُ الوضوءِ؛ من الغَسْلِ، والمَسْح، ليس بمُحَرَّمٍ، إذ ليس هو اسْتِعْمالًا للإِناءِ، ولا تَصَرُّفًا فيه، وإنما يقَع ذلك بعدَ رَفْعِ الماءِ من الإِناءِ، وفَصْلِه عنه، فأشْبَهَ ما لو غَرَفَ بآنيةِ الفضةِ في إناءِ غيرِه، ثم توَضَّأ به، ولأن المكانَ شَرْطٌ للصلاةِ، إذ لا يُمْكِنُ وُجودُها في غيرِ مكانٍ، والإِناءُ ليس بشَرْطٍ، فأشْبَهَ ما لو صَلَّى وفى يدِه خَاتَمُ ذَهَبٍ.
فصل: فإن جَعل آنيةَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ مَصَبًّا لماءِ الوُضوءِ، ينْفَصِلُ الماءُ عن أعضائهِ إليه، صَحَّ الوضوءُ؛ لأن الْمُنْفَصِلَ الذي يقَع في الآنيةِ قد رفَع الحدثَ، فلم يزُلْ ذلك بوُقوعهِ في الإِناء. ويَحْتَمِلُ أن تكون كالتى قَبْلَها؛ لأن الفَخْرَ والْخُيَلَاءَ وكَسْرَ قلوبِ الفقراءِ يَحْصُل باسْتعمالِه ههنا؛ كحُصولهِ في التي قبلَها، وفِعْلُ الطهارةِ يحصُل ههنا قبلَ وُصولِ الماءِ إلى الإِناءِ، وفى التي قبلَها بعدَ فَصْلِه عنه، فهى مِثْلُها في المعنى، وإن اْفتَرقا في الصُّورةِ.
فصل: ويَحْرُمُ اتِّخاذُ آنيةِ الذهبِ والفضةِ. وحُكِىَ عن الشافعىِّ أن ذلك لا يحرُم؛ لأن الْخَبَر إنما ورَد بتَحْريمِ الاسْتعمالِ، فلا يحرُم الاتِّخاذ، كما لو اتَّخَذَ الرجلُ ثيابَ الحريرِ.
ولنا، أنَّ ما حَرُمَ اسْتعمالُه مُطلَقًا حَرُمَ اتِّخاذُه علَى هيئةِ الاستعمال، كالطُّنْبُورِ (٧)، وأمَّا ثِيابُ الحريرِ فإنها لا تحرُم مُطْلَقًا، فإنها تُباحُ للنِّساء، وتُباح
(٧) الطنبور: فارسى معرب، وهي من آلات اللهو ذات عنق طويل لها أوتار.