للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُخَالِفُ الكُفْرُ الأصْلِيُّ الطارئِ؛ بدليل أنَّ الرَّجُلَ يُقَرُّ عليه، ولا يُقْتَلُ أهلُ الصَّوامعِ، والشُّيوخُ والمَكافيفُ، ولا تُجْبَرُ المرأةُ على تَرْكِه بضَرْبٍ ولا حَبْسٍ، والكُفْرُ الطَّارِئُ بخلافِهِ، والصَّبِيُّ غيرُ مُكلَّفٍ؛ بخلافِ المرأةِ. وأمَّا بنو حنيفةَ، فلم يَثْبُتْ أنَّ من اسْتُرِقَّ منهم تقدَّمَ له إسْلامٌ، ولم يكُن بنو حنيفةَ أسْلَموا كلُّهم، وإنَّما أسْلَمَ بعضُهم، والظاهِرُ أنَّ الذين أسْلَموا كانُوا رجالًا، فمنهم مَنْ ثَبَتَ على إسْلامِه، منهم ثُمامةُ بنُ أثالٍ، ومنهم مَنِ ارتدَّ، منهم الدَّجَّالُ الحَنَفِيُّ.

الفصل الثاني: أنَّ الرِّدَّةَ لا تَصِحُّ إلَّا مِن عاقلٍ، فأمَّا مَنْ لا عَقْلَ له، كالطِّفْلِ الذي لا عَقْلَ له، والمجنونِ، ومن زَالَ عَقْلُه بإغماءٍ، أو نَومٍ، أو مرضٍ، أو شُرْبِ دواءٍ يُباحُ شُرْبُه، فلا تَصِحُّ رِدَّتُه، ولا حُكمَ لكلامِهِ، بغيرِ خِلافٍ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه مِن أهِل العلمِ، على أنَّ المجنُونَ إذا ارْتَدَّ في حالِ جُنونهِ، أنَّه مسلمٌ على ما كان عليه قبلَ ذلك، ولو قتلَه قاتِلٌ عَمْدًا، كان عليه القَوَدُ، إذا طَلَبَ أولياؤُه. وقد قال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثلَاثٍ؛ عَن الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيقِظَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ". أَخْرَجَه أبو داودَ، والترمذيُّ (١٠)، وقال: حديثٌ حسَن. ولأنَّه غيرُ مُكَلَّفٍ، فلم يُؤَاخَذْ بِكلامِه، كما (١١) لم يُؤاخَذْ به في إقرارِه، ولا طَلاقِه، ولا إعْتاقِه، وأمَّا السَّكْرانُ، والصَّبِيُّ العاقِلُ، فَنَذْكُرُ حكمَهما فيما بعدُ، إن شاء اللهُ.

الفصل الثالث: أنه لا يُقْتَلُ حتى يُسْتَتابَ ثلاثًا. هذا قولُ أكثرِ أهِل العلمِ؛ منهم عمرُ، وعليٌّ، وعطاءٌ، والنَّخَعِيُّ، ومالِكٌ، والثَّوريُّ، والأوْزَاعيُّ، وإسْحاقُ، وأصحابُ الرَّأيِ. وهو أحدُ قَوْلَيِ الشافعيِّ. ورُوِىَ عن أحمدَ، روايةٌ أُخْرَى، أنَّه لا


= وابن أبي شيبة، في: باب من ينهى عن قتله في دار الحرب، من كتاب الجهاد. المصنف ١٢/ ٣٨١، ٣٨٢. وعبد الرزاق، في: باب البيات، من كتاب الجهاد. المصنف ٥/ ٢٠٢. وسعيد بن منصور، في: باب ما جاء في قتل النساء والولدان، من كتاب الجهاد. السنن ٢/ ٢٣٩.
(١٠) تقدم تخريجه في: ٢/ ٥٠.
(١١) في م زيادة: "لو".

<<  <  ج: ص:  >  >>