للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والْقَار وغيرِهما، إذا جَرَى عليه الماءُ فتغيَّر به، أو كان في الأرض التي يقفُ فيها الماءُ، فهذا كلُّه يُعْفَى عنه؛ لأنَّه يَشُقُّ التَّحَرُّزُ منه، فإن أُخِذَ شيءٌ من ذلك وألْقِىَ في الماءِ وغيَّرَه كان حُكْمُه حُكْمَ ما أمكَن التَّحَرُّزُ منه، من الزَّعْفَران ونحوِه؛ لأن الاحْتِرَازَ منه مُمْكِنٌ.

الثالث ما يُوَافِقُ الماءَ في صِفَتَيْه؛ الطَّهارةِ، والطُّهُورِيَّةِ، كالتُّرابِ إذا غَيَّرَ الماءَ، لا يَمْنَعُ الطُّهورِيَّةَ؛ لأنَّه طاهرٌ مُطهِّرٌ كالماء، فإن ثَخُنَ بحيثُ لا يجرِى علَى الأعْضاءِ لم تَجُزِ الطهارةُ به؛ لأنَّه طِينٌ وليس بماء، ولا فَرْقَ في الترابِ بين وُقُوعِه في الماء عن قَصْدٍ أو غيرِ قصد، وكذلك المِلْحُ الذي أصلُه الماء كالبَحَرِىِّ، والملحِ الذي ينْعَقِدُ من الماء الذي يُرْسَلُ على السَّبِخَة فيصيرُ مِلْحًا، فلا يسْلُب الطُّهُوريَّةَ؛ لأنَّ أصْلَه الماءُ، فهو كالجَلِيد والثَّلْج، وإن كان مَعْدِنًا ليس أصلُه الماءَ فهو كالزَّعْفَران وغيره.

الرابع ما يتغَيَّرُ به الماءُ بمُجاوَرتِه مِن غيرِ مُخالَطةٍ، كالدُّهْنِ علَى اختلافِ أنواعِه، والطَّاهِرَاتِ الصُّلْبةِ كالعُود والكافور والعَنْبَر، إذا لم يَهْلِكْ في الماء، ولم يَمِعْ فيه، لا يخرُج به عن إطْلاقهِ؛ لأنَّه تَغْيِيرُ مُجاوَرةٍ، أشْبَهَ ما لو ترَوَّحَ الماءُ برِيحِ شَىْءٍ إلى (٤٩) جانبِه. ولا نعلمُ في هذه الأنواع خلافا.

وفي معنى الْمُتَغَيِّرِ بالدُّهْنِ ما تغيَّرَ بالْقَطِرَانِ والزِّفْتِ والشَّمْعِ لأنَّ في ذلك دُهْنِيَّةً يتَغَيَّرُ بها الماءُ تَغَيُّرَ مُجَاوَرةٍ، فلا يُمْنَعُ كالدُّهْن.

فصل: والماءُ الآجِنُ، وهو الذي يتغَيَّرُ بطُولِ مُكْثِه في المكان، مِن غيرِ مُخالَطةِ شيءٍ يُغَيِّرُه، بَاقٍ علَى إطْلاقِه في قَوْلِ أكْثَرِ أهلِ العلم، قال ابنُ الْمُنْذِر: أجْمَع كلُّ مَن نَحْفَظُ قولَه مِن أهلِ العلم علَى [أنَّ] الوُضوءَ بالماء الآجِنِ مِن غيرِ نَجاسةٍ حَلَّتْ فيه جائز، غيرَ ابنِ سِيرِينَ (٥٠)، [فإنَّه كَرِهَ ذلك] (٥١). وقَوْلُ الجمهورِ أوْلَى،


(٤٩) في م: "على".
(٥٠) أبو بكر محمد بن سيرين الأنصاري البصري، كان فطنا، حسن العلم بالفرائض والقضاء والحساب، ورعا، أديبا، توفى سنة عشر ومائة. سير أعلام النبلاء ٤/ ٦٠٦ - ٦٢٢.
(٥١) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>