للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّه مُوجَبُ جِنايَتِه، وبَدَلُ مُتْلَفِه، فكان عليه، كسائرِ المُتْلَفاتِ والجِناياتِ، وإنَّما خُولِفَ في الثُّلثِ فصاعدًا، تَخْفيفًا على (١٧) الجانِى، لكَوْنِه كثيرًا يُجْحِفُ به، قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الثُّلُثُ كَثِيرٌ" (١٨). ففى ما دُونَه يَبْقَى على قَضِيَّةِ الأصْلِ ومُقْتَضَى الدَّلِيلِ، وهذا حُجَّةٌ على الزُّهْرِىِّ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جَعَلَ الثُّلثَ كثيرًا، فأمَّا دِيَةُ الجَنِينِ، فلا تَحْمِلُها العاقِلَةُ، إلَّا إذا مات مع أُمِّه. من الضَّرْبةِ؛ لكَوْنِ دِيَتِهما جميعًا مُوجَبُ جِنايةٍ، تَزِيدُ على الثُّلثِ، وإن سَلَّمنا وُجُوبَها على العاقِلَةِ، فلأنَّها دِيَةُ آدَمِىٍّ كاملةٌ.

فصل: وتَحْمِلُ العاقلةُ دِيَةَ الطَّرَفِ إذا بَلَغَ الثُّلُثَ. وهو قولُ مَنْ سَمَّيْنَا في المسألةِ التي قبلَ هذا. وحُكِىَ عن الشافعيِّ، أنَّه قال في القديمِ: لا تَحْمِلُ ما دُونَ الدِّيَةِ؛ لأنَّ ذلك يَجْرِى مَجْرَى ضَمانِ الأمْوالِ، بدليلِ أنَّه لا تَجِبُ فيه كَفَّارَةٌ. ولَنا، قولُ عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، ولأنَّ الواجِبَ دِيَةُ جِنايةٍ على حُرٍّ تَزِيدُ على الثُّلثِ، فحَمَلَتْها العاقِلَةُ، كدِيَةِ النَّفْسِ، ولأنَّه (١٩) كثيرٌ يَجِبُ ضَمانًا لحُرٍّ، أشْبَهَ ما ذكَرْنا. وما ذكَرَه (٢٠) يَبْطُلُ بما إذا جَنَى على الأطْرافِ بما يُوجِبُ الدِّيَةَ، أو زِيادَةً عليها.

فصل: وتَحْمِلُ العاقِلَةُ دِيَةَ المرأةِ. بغير خلافٍ بينهم فيها. وتَحْمِلُ من جِرَاحِها ما بَلَغَ أرْشُه ثُلُثَ دِيَةِ الرَّجُلِ، كدِيَةِ أنْفِها، وما دون ذلك كدِيَةِ (٢١) يَدِها، لا تَحْمِلُه العاقلةُ. وكذلك الحُكْمُ في ديةِ الكِتَابِىِّ. ولا تَحْمِلُ دِيَةَ المَجُوسِىِّ؛ لأنَّها دُونَ الثُّلثِ، ولا دِيَةَ الجَنِينِ إن مات مُنْفَرِدًا، أو مات قبلَ مَوْتِ أُمِّه. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّه دُونَ الثُّلثِ. وإن مات مع أُمِّه، حَمَلتْهما (٢٢) العاقلةُ. نَصَّ عليه؛ لأنَّ وُجُوبَ دِيَتِهما


(١٧) في ب، م: "عن".
(١٨) تقدم تخريجه، في: ٦/ ٣٧.
(١٩) سقطت الواو من: م.
(٢٠) في ب: "ذكروه".
(٢١) في ب: "وكدية".
(٢٢) في م: "حملتها".

<<  <  ج: ص:  >  >>