للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خُذْهُ، أو قد رَضِيتُ. ونحوَ ذلك. فيكون هذا عَقْدًا كافِيًا. وإن لم يُوجَدْ ما يَقُومُ مَقامَ الإِيجابِ، أو يَدُلُّ عليه، لم يَصِحَّ؛ لأنَّ ما مَضَى من القولِ لا يَصْلُحُ أن يكون إيجابًا؛ لما ذَكَرْناه، وقد رُوِىَ عن أحمدَ فى مَن قال: إن خِطْتَه اليَوْمَ فلَكَ دِرْهَمٌ، وإن خِطْتَه غَدًا فلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ: إنَّه يَصِحُّ. فيَحْتَمِلُ أن يَلحقَ به هذا البَيْعُ، فَيُخَرَّجَ وَجْهًا فى الصِّحَّةِ. ويَحْتَمِلُ أن يُفَرَّق بينهما من حيث إنَّ العَقْدَ ثَمَّ يُمْكِنُ أن يَصِحَّ؛ لِكَوْنِه جُعالَةً يَحْتَمِلُ فيها الجَهالَةَ، بخِلافِ البَيْعِ. ولأنَّ العَمَلَ الذى يَسْتَحِقُّ به الأُجْرَةَ لا يُمْكنُ وُقُوعُه إلَّا على إحْدَى الصَّفْقَتَيْنِ، فتَتَعَيَّنُ الأُجْرَةُ المُسَمَّاةُ عِوَضًا له، فلا يُفْضِى إلى التَّنازُعِ، وهاهُنا بِخِلافِه.

فصل: ولو باعَه بِشَرْطِ أن يُسَلِّفَه أو يُقْرِضَه، أو شَرَطَ المُشْتَرِى ذلك عليه، فهو مُحَرَّمٌ والبَيْعُ باطِلٌ. وهذا مذهبُ مالِكٍ والشَّافِعِيِّ. ولا أعْلَمُ فيه خِلافًا، إلَّا أنَّ مالِكًا قال: إن تَرَكَ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ السَّلَفَ، صَحَّ البَيْعُ. ولَنا، ما رَوَى عبدُ اللهِ ابن عَمْرٍو، أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عن رِبْحِ ما لم يُضْمَنْ، وعن بَيْعِ ما لم يُقْبَضْ، وعن بَيْعَتَيْنِ فى بَيْعَةٍ، وعن شَرْطَيْنِ فى بَيْعٍ، وعن بَيْعٍ وسَلَفٍ. أخْرَجَه أبو داوُدَ والتِّرمِذِيُّ (٧)، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وفى لَفْظٍ: "لَا يَحِلُّ بَيْعٌ وسَلَفٌ". ولأنَّه اشْتَرَطَ عَقْدًا فى عَقْدٍ، ففَسَدَ، كبَيْعَتَيْنِ فى بَيْعَةٍ. ولأنَّه إذا اشْتَرَطَ القَرْضَ زادَ فى الثَّمَنِ لأجْلِه، فتَصِيرُ الزِّيادَةُ فى الثَّمَنِ عِوَضًا عن القَرْضِ، ورِبْحًا له، وذلك رِبًا مُحَرَّمٌ، ففَسَدَ، كما لو صَرَّحَ به. ولأنَّه بَيْعٌ فاسِدٌ، فلا يَعُودُ صَحِيحًا، كما لو باعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ، ثمَّ تَرَكَ أحَدَهما.


(٧) أخرجه أبو داود، فى: باب فى الرجل يبيع ما ليس عنده، من كتاب البيوع. من أبي داود ٢/ ٢٥٤. والترمذى، فى: باب ما جاء فى كراهية بيع ما ليس عندك، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى ٥/ ٢٤٢.
كما أخرجه النسائى، فى: باب بيع ما ليس عند البائع، وباب سلف وبيع. . .، وباب شرطان فى بيع. . .، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٥٤، ٢٥٩. وابن ماجه، فى: باب النهى عن بيع ما ليس عندك. . .، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٣٧، ٧٣٨. والدارمى، فى: باب فى النهى عن شرطين فى بيع، من كتاب البيوع. سنن الدارمى ٢/ ٢٥٣. والإِمام أحمد، فى: المسند ٢/ ١٧٥، ١٧٩، ٢٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>