للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اخْتَلَفَت الرِّوايةُ عن أحمدَ في هذه المسألةِ؛ فَرُوِىَ عنه مِثْلُ ما ذَكَرَ الْخِرَقِىُّ، وهو قَوْلُ الثَّوْرِىِّ، والشَّافِعِىِّ، وإسحاق، ورُوِىَ عنه: أنَّه يَمْسَحُ مَسْحَ المُسَافِرِ، سَوَاءٌ مَسَحَ في الحَضَرِ لِصَلَاةٍ أوْ أَكْثَر مِنها بعدَ أنْ لا تَنْقضِىَ مُدَّةُ المَسْحِ، وهو حَاضِرٌ. وهو مذهبُ أبي حنيفةَ؛ لِقَوْلهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَمْسَحُ المُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ولَيَالِيهِنَّ". وهذا مُسَافِرٌ، ولأنَّهُ سَافَرَ قبلَ كَمالِ مُدَّةِ المَسْحِ، فأَشْبَهَ مَنْ سَافَرَ قبلَ المَسْحِ بعدَ الحَدَثِ. وهذا اخْتِيَارُ الخَلَّالِ، وصاحبِه أبى بكْرٍ. وقال الخَلَّالُ: رَجَعَ أحمدُ عن قَوْلِه الأوَّلِ إلى هذا. ووَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَنَّها عِبَادَةٌ تَخْتَلِفُ بالحَضَرِ والسَّفَرِ، وُجِدَ أحَدُ طَرَفَيْها في الحَضَرِ، فَغَلَبَ فيها حُكْمُ الحَضَرِ، كالصَّلاةِ، والخَبَرُ يَقْتَضِى أنْ يَمْسَحَ المُسَافِرُ ثلاثًا في سَفَرِهِ، وهذا يَتَنَاولُ مَنِ ابْتَدَأ المَسْحَ في سَفَرِهِ، وفي مَسْأَلَتِنا يَحْتَسِبُ بِالمُدَّةِ التي مَضَتْ في الحَضَرِ.

فصل: فإنْ شَكَّ، هل ابْتَدَأَ المَسْحَ في الحَضَر أو في (١) السَّفَرِ، بَنىَ على مَسْحِ حاضِرٍ؛ لأنَّه لا يَجُوزُ المَسْحُ مع الشَّكِّ في إبَاحَتِهِ. فإنْ ذَكَرَ بعدُ أنَّه كان (٢) قد ابْتَدَأ المَسْحَ في السَّفَرِ، جازَ البِنَاءُ على مَسْحِ مُسَافِرٍ. وإنْ كان قد صَلَّى بعدَ اليَوْمِ واللَّيْلَةِ مع الشَّكِّ، ثم تَيَقَّنَ، فعليه إعادَةُ ما صَلَّى مع الشَّكِّ؛ لأنَّه صَلَّى بِطَهارةٍ لم يكنْ له أنْ يُصَلِّىَ بها، فهو كما لو صَلَّى يَعْتَقِدُ أنَّه مُحْدِثٌ، ثم ذَكَرَ أنَّه كان على وُضُوءٍ، كانَتْ طَهَارَتُهُ صَحِيحَةً، وعليه إعادُة الصَّلاةِ. وإنْ كان مَسَحَ مع الشَّكِّ، صَحَّ؛ لأنَّ الطَّهارةَ تَصِحُّ مع الشَّكِّ في سَبَبِها، ألا تَرَى أنَّه لو شَكَّ في الحَدَثِ، فتَوَضَّأَ يَنْوِى رَفْعَ الحَدَثِ، ثم تَيَقَّنَ أنَّه كان مُحْدِثًا، أجْزَأهُ. وعَكْسُهُ: ما لو شَكَّ في دُخُولِ الوَقْتِ، فَصَلَّى، ثم تَيَقَّنَ أنَّه كان قد دَخَلَ، لم يُجْزِهِ. وكذلك إنْ شَكَّ المَاسِحُ في وَقْتِ الحَدَثِ، بَنَى على الأَحْوَطِ عندَهُ. وهذا التَّفْرِيعُ على الرِّوايةِ الأُولَى، فأَمَّا على الثَّانِيةِ، فإنَّه يَمْسَحُ مَسْحَ المُسَافِرِ على كُلِّ حَالٍ.

٨٣ - مسألة؛ قال: (وإذَا مَسَحَ مُسَافِرٌ أقَلَّ مِنْ يَومٍ ولَيْلَةٍ، ثُمَّ أقَامَ أوْ قَدِمَ، أَتَمَّ


(١) سقط من: م.
(٢) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>