للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُتَقَوَّمٌ، ولا يَلزمُ إذا خالعَها على عبدٍ فبانَ حرًّا؛ لأنَّه لم يَرْضَ بغيرِ عِوَضٍ مُتَقَوَّمٍ، فيَرْجِعُ بحُكْمِ الغُرورِ، وههُنا رَضِىَ بِما لا قيمةَ له. إذا تقرَّرَ هذا، فإنْ كان الخُلْعُ بلفظِ الطَّلاقِ، فهو طلاقٌ (٤) رَجْعىٌّ؛ لأنَّه خلا عن عِوَضٍ، وإن كان بلفظِ الخُلْعِ وكِنَاياتِ الخُلْعِ، وَنوَى به الطَّلاقَ، فكذلك؛ لأنَّ الكِنايةَ (٥) مع النِّيَّةِ كالصَّريحِ، وإن كان بلَفْظِ الخُلْعِ، ولم يَنْوِ الطَّلاقَ، انْبَنَى على أصْلٍ. وهو أنَّه هل يَصِحُّ الخُلْع (٤) بغيرِ عِوَضٍ؟ وفيه رِوَايتانِ؛ فإن قُلْنا: يَصِحُّ. صح ههُنا. وإن قُلْنا: لا يَصِحُّ. لم يَصِحَّ، ولم يقَعْ شيئًا (٦). وإن قال: إن أعْطَيْتِنى خمرًا أو مَيْتةً، فأنتِ طالقٌ. فأعْطَتْه ذلك، طَلُقَتْ، ولا شىءَ عليها. وعندَ الشَّافعىِّ، عليها مهرُ المثلِ، كقولِه فى التى قبلَها.

فصل: فإن قال: إن أعْطَيْتِنى عَبْدًا فأنتِ طالقٌ. فأعْطَتْه مُدَبَّرًا أو مُعْتَقًا نصفُه، وقعَ الطَّلاقُ بهما؛ لأنَّهما كالقِنِّ فى التَّمْليكِ، وإن أعطته حُرًّا، أو مغصوبًا، أو مرهونًا، لم تطْلُقْ؛ لأنَّ العَطِيَّةَ إنَّما تَتناولُ ما يصِحُّ تَمْليكُه، وما لا يصح تَمْليكُه لا تكونُ مُعْطِيةً له. وإن قال: إن أعْطَيْتِنى هذا العبدَ، فأنت طالقٌ. فأعْطَتْه إيَّاه، فإذا هو حُرٌّ أو مغصوبٌ، لم تطْلُقْ أيضًا؛ لما ذَكَرَه أبو بكرٍ، وأوْمَأ إليه أحمدُ. وذكَر القاضِى وَجْهًا آخَرَ، أنَّه يقَعُ الطَّلاقُ؛ قال (٤): وأوْمَأَ إليه أحمدُ فى موضعٍ آخَرَ؛ لأنَّه إذا عَيَّنه فقد قطعَ اجْتهادَها فيه، فإذا أعْطَتْه إيَّاه، وُجِدَتِ الصِّفةُ، فوقعَ الطَّلاقُ، بخلافِ غيرِ المُعَيَّنِ. ولأصْحابِ الشَّافعىِّ أيضًا وَجْهانِ كذلك. وعلى قولِهم: يقعُ الطَّلاقُ، هل يَرجعُ بقيمَتِه أو بمهرِ المثلِ؟ على وَجْهينِ. ولَنا، أنَّ العَطِيَّةَ إنَّما مَعْناها المُتبادِرُ إلى الفَهْمِ منها عندَ إطْلاقِها التَّمْكينُ (٧) من تَمَلُّكِه، بدليلِ غيرِ المُعَيَّنِ؛ ولأنَّ الْعَطِيَّةَ ههنا التَّمليكُ، بدِليلِ حُصولِ المِلْكِ بها فيما إذا كان العبدُ مملوكًا لها، وانْتفاءِ الطَّلاقِ فيما إذا كان غيرَ مُعَيَّنٍ.


(٤) سقط من: الأصل.
(٥) فى أ، ب، م: "الكنايات".
(٦) فى أ: "شىء". والمقصود لم يقع هو شيئا.
(٧) فى ب، م: "التمكن".

<<  <  ج: ص:  >  >>