للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: فإن شَرَطَ مَلَاءَةَ المُحَالِ عليه، فبَانَ مُعْسِرًا، رَجَعَ على المُحِيلِ. وبه قال بعضُ الشَّافِعِيَّةِ. وقال بعضُهم: لا يَرْجِعُ؛ لأنَّ الحَوَالَةَ لا تُرَدُّ بالإِعْسَارِ إذا لم يَشْتَرِط المَلاءَةَ، فلا تُرَدُّ به، وإن شَرَطَ، كما لو اشْتَرَطَ كونه مُسْلِمًا، ويُفَارِقُ البَيْعَ؛ فإنَّ الفَسْخَ يَثْبُتُ بالإِعْسَارِ فيه من غيرِ شَرْطٍ، بِخِلَافِ الحَوَالَةِ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "المُسْلِمُونَ على شُرُوطِهِمْ" (١٥). ولأنَّه شَرَطَ ما فيه مَصْلَحَةُ العَقْدِ في عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فيَثْبُتُ الفَسْخُ بِفَوَاتِه (١٦)، كما لو اشْتَرَطَ صِفَةً في المَبِيعِ، وقد يَثْبُتُ بالشَّرْطِ ما لا يَثْبُتُ بإِطْلَاقِ العَقْدِ، بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ صِفَةٍ في المَبِيعِ.

فصل: ولو لم يَرْضَ المُحْتَالُ بالحَوَالَةِ، ثم بان المُحَالُ عليه مُفْلِسًا، أو مَيِّتًا، رَجَعَ على المُحِيلِ، بلا خِلَافٍ؛ فإنَّه لا يَلْزَمُه الاحْتِيَالُ على غير مَلِىءٍ، لما عليه فيه من الضَّرَرِ، وإنَّما أمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَبُولِ الحَوَالَةِ إذا أُحِيلَ على مَلِىءٍ، ولو أحَالَهُ على مَلِىءٍ فلم يَقْبَلْ حتى أعْسَرَ، فله الرُّجُوعُ أيضًا، على ظَاهِرِ قَوْلِ الخِرَقِىِّ؛ لكَوْنِه اشْتَرَطَ في بَرَاءَةِ المُحِيلِ إِبْدَاءَ رِضَى المُحْتَالِ.

٨٢١ - مسألة؛ قال: (وَمَنْ أُحِيلَ بِحَقِّهِ عَلَى مَلِىءٍ، فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أنْ يَحْتَالَ)

المَلِىءُ: هو القَادِرُ على الوَفَاءِ. جاء في الحَدِيثِ، عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، [أنَّه قال] (١): "إنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: مَنْ يُقْرِض المَلِىءَ غَيْرَ الْمُعْدِمِ" (٢). وقال الشَّاعِرُ (٣):

تُطِيلِينَ لَيَّانِى وأَنْتِ مَلِيئَةٌ ... وأُحْسِنُ يا ذَاتَ الوِشَاحِ التَّقَاضِيَا

يعني قَادِرَةٌ على وَفَائِى. والظَّاهِرُ أنَّ الخِرَقِىَّ أرَادَ بالمَلِىءِ هاهُنا القَادِرَ على الوَفَاءِ غيرَ الجَاحِدِ ولا المُمَاطِلِ. قال أحمدُ في تَفْسِيرِ المَلِىءِ، كأنَّ المَلِىءَ عنده، أن يكون مَلِيًّا


(١٥) تقدم تخريجه في: ٦/ ٣٠.
(١٦) في ب: "لفواته".
(١) سقط من: أ، ب.
(٢) أخرجه مسلم، في: باب الترغيب في الدعاء والذكر. . .، من كتاب المسافرين. صحيح مسلم ١/ ٥٢٢.
(٣) البيت لذى الرمة، وهو في ديوانه ٢/ ١٣٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>